الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } * { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

وقوله تعالى: { وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ... } الآية: يقال: نَذَرَ الرَّجُلُ كَذَا، إِذا التزم فعله.

وقوله تعالى: { فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ }. قال مجاهدٌ: معناه: يُحْصِيه، وفي الآيةِ وعْدٌ ووعيدٌ، أي: مَنْ كان خالص النيَّة، فهو مثابٌ، ومن أنْفَقَ رياءً أو لمعنًى آخَرَ ممَّا يكْشفه المَنُّ والأذَىٰ، ونحو ذلك، فهو ظالمٌ يذهب فعْلُه باطلاً، ولا يجد ناصراً فيه.

وقوله تعالى: { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَـٰتِ فَنِعِمَّا هِيَ... } الآية: ذهب جمهورُ المفسِّرين إِلى أنَّ هذه الآيةَ في صدَقَةِ التطوُّع، قال ابن عبَّاس: جعل اللَّه صدَقَةَ السِّرِّ في التطوُّع تفضُلُ علانيتها، يقال: بسبعين ضِعْفاً، وجعل صدَقَةَ الفريضَةِ علانيتَهَا أفْضَلَ من سرِّها، يقال: بخَمْسَةٍ وعشْرين ضِعْفاً، قال: وكذلك جميعُ الفرائضِ والنوافلِ في الأشياء كلِّها.

* ع *: ويقوِّي ذلك قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: " صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهِ فِي المَسْجِدِ إِلاَّ المَكْتُوبَة " ، وذلك أن الفرائضَ لا يدْخُلُها رياءٌ، والنوافل عُرْضَةٌ لذلك، قال الطبريُّ: أجمعَ النَّاس علَىٰ أن إِظهار الواجِبِ أفضلُ.

وقوله تعالى: { فَنِعِمَّا هِيَ }: ثناءٌ علَىٰ إِبداء الصدقةِ، ثم حكم أنَّ الإِخفاء خيْرٌ من ذلك الإِبداءِ، والتقديرُ: نِعْمَ شيءٌ إِبداؤها، فالإِبداء هو المخصوصُ بالمدْحِ؛ وخرَّج أبو داود في «سننه»، عن أبي أُمَامَةَ، قال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " ٱنْطُلِقَ بِرَجُلٍ إِلَىٰ بَابِ الجَنَّةِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَإِذَا عَلَىٰ بَابِ الجَنَّةِ مَكْتُوبٌ: الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالقَرْضُ الوَاحِدُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ؛ لأنَّ صاحب القرضِ لا يأتيك إِلاَّ وهو محتاجٌ، والصدقةُ ربما وُضِعَتْ في غنيٍّ " ، وخرَّجه ابن ماجة في «سننه»، قال: حدَّثنا عُبَيْدُ اللَّه بن عبد الكريمِ، حدَّثنا هشام بْنُ خالدٍ، حدَّثنا خالدُ بن يَزِيدَ بْنِ أبي مالكٍ، عن أبيه، عن أنس بن مالك، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَىٰ بَابِ الجَنَّةِ مَكْتُوبٌ: الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَا بَالُ القَرْضِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: إِنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ، وَالمُسْتَقْرِضُ لاَ يَسْتَقْرِضُ إِلاَّ مِنْ حَاجَةٍ " انتهى من «التذكرة».

وقرأ ابن كثير وغيره: «ونُكَفِّرُ»؛ بالنون، ورفع الراء، وقرأ ابن عامر: «وَيُكَفِّرُ»، بالياء، ورفع الراء، وقرأ نافع وغيره: «وَنُكَفِّرْ»، بالنون، والجزمِ، فأما رفْع الراء، فهو علَىٰ وجهين:

أحدهما: أن يكون الفعْلُ خبر ابتداءٍ، تقديره: ونحن نكفِّر، أو: واللَّه يكفر.

والثَّاني: القطع، والاستِئْناف، والواو لعطْفِ جملةٍ على جملةٍ، والجزمُ في الراءِ أفصحُ هذه القراءات؛ لأنها تؤذن بدُخُول التكفير في الجزاء، وكونه مشروطاً إِن وقع الإِخفاء، وأمَّا رفع الراءِ، فليس فيه هذا المعنَىٰ، و «مِنْ» في قوله: { مِّن سَيِّئَاتِكُمْ } للتبعيضِ المحْضِ، لا أنها زائدةٌ؛ كما زعم قومٌ، { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }: وعدٌ ووعيدٌ.