الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ }

وقوله تعالى: { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ... } الآية: هذه الآيةُ سيِّدة آي القرآن، وورد في الحديثِ؛ " أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآن " ، وورد " أنَّ مَنْ قَرَأَهَا أَوَّلَ لَيْلِهِ، لَمْ يَقْرَبْهُ شَيْطَانٌ " ؛ وكذلك مَنْ قَرَأَهَا أَوَّلَ نَهارِهِ، وهي متضمِّنة التوحيدَ والصِّفاتِ العُلاَ، وعن أنسِ بنِ مالكٍ، قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لفاطمةَ: " مَا مَنَعَكِ أَنْ تَسْمَعِي، مَا أَوْصَيْتُكِ بِهِ، تَقُولِينَ، إِذَا أَصْبَحْتِ، وَإِذَا أَمْسَيْتِ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلاَ تَكِلْنِي إِلَىٰ نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ " ، رواه النَّسائيُّ، واللفظ له، والحاكمُ في «المستدرك» عَلَى الصَّحيحَيْن، وقال: صحيحٌ علَىٰ شرط الشيخَيْن، يعني البخاريَّ ومسلماً. انتهى من «السِّلاح».

وعن ابن مسعود؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا نَزَلَ بِهِ هَمٌّ أَوْ غَمٌّ، قَالَ: " يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ " رواه الحاكم في «المستدرك»، وقال: صحيح الإِسناد، ورواه الترمذيُّ من حديث أنسٍ، والنَّسائيّ من حديثِ رَبِيعَةَ بْنِ عامرٍ، انتهى من «السِّلاح».

واللَّه: مبتدأ، ولا إِلَهَ: مبتدأ ثانٍ، وخبره محذوفٌ، تقديره معبودٌ أو موجودٌ، وقَيُّوم: بناءُ مبالغةٍ، أي: هو القائم على كلِّ نفس بما كَسَبَتْ؛ بهذا المعنىٰ فسَّره مجاهدٌ، والرَّبيع، والضَّحَّاك، ثم نفى عزَّ وجلَّ؛ أنْ تأخذه سِنَةٌ أو نَوْم، وفي لفظٍ: الأَخْذُ غَلَبَةٌ مَّا، فلذلك حَسُنَتْ في هذا الموضِعِ بالنفْيِ، والسِّنَةُ: بدْء النُّعَاس، وليس يفقد معه كلّ الذِّهْن، والنَّوْمُ هو المستثْقَلُ الذي يزولُ معه الذهْن، والمراد بالآية: التنزيهُ أنه سبحانه لا تدركُه آفة، ولا يلحقه خَلل بحالٍ من الأحوال، فجعلت هذه مثالاً لذلك، وأقيمَ هذا المذكورُ من الآفاتِ مقام الجميعِ، وهذا هو مفهومُ الخطَابِ؛ كما قال تعالى:فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ } [الإسراء:23].

*ت *: وبيانه أنه إِذا حرم التأفيف، فَأحْرَىٰ ما فوقه من الشَّتْمِ، والضَّرْب في حقِّ الأبوَيْن، وروَىٰ أبو هريرة، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحْكِي عَنْ مُوسَىٰ عَلَى المِنْبَرِ، قَالَ: " وَقَعَ فِي نَفْسِ مُوسَىٰ: هَلْ يَنَامُ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - فَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكاً فَأرَّقَهُ ثَلاَثاً، ثُمَّ أعْطَاهُ قَارُورَتَيْنِ فِي كُلِّ يَدٍ قَارُورَةً، وأَمَرَهُ بِأَنْ يَحْتَفِظَ بِهِمَا، قَالَ: فَجَعَلَ يَنَامُ، وتَكَادُ يَدَاهُ تَلْتَقِيَانِ، ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ، فَيَحْبِسُ إِحْدَاهُمَا عَنِ الأُخْرَىٰ؛ حَتَّىٰ نَامَ نَوْمَةً، فَٱصْطَفَقَتْ يَدَاهُ، فَٱنْكَسَرَتِ القَارُورَتَانِ، قَالَ: ضَرَبَ اللَّهُ لَهُ مَثَلاً أَنْ لَوْ كَانَ يَنَامُ، لَمْ تَسْتَمْسِكِ السَّمَاءُ وَالأرْضِ ". قوله تعالَىٰ: { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ، أي: بالملك؛ فهو مالكُ الجميع، وربُّه، ثم قرَّر، ووَقَفَ تعالَىٰ من يتعاطَىٰ أنْ يشفع إِلاَّ بإذنه، أي: بأمره.

* ص *: { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ }: «مَنْ»: مبتدأ، وهو ٱستفهامٌ معناه النفْيُ؛ ولذا دخلَت «إِلاَّ» في قوله: { إِلاَّ بِإِذْنِهِ } ، والخبر «ذَا»، و «الَّذِي» نعْتٌ لـــ «ذَا» أو بدل منه، وهذا على أنَّ «ذا» اسمُ إِشارةٍ، وفيه بُعْد؛ لأن الجملة لم تستقلَّ بـــ «مَنْ» مع «ذَا»، ولو كان خبراً، لاستقلَّ، ولم يحتجْ إِلى الموصولِ، فالأولَىٰ أنَّ «مَنْ» ركِّبت مع «ذَا» لِلاستفهامِ.

السابقالتالي
2 3