الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىۤ إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } * { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوۤاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَٰءِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ... } الآية: هذه الآية خَبَرٌ عن قوم من بني إِسرائيل نالتهم ذِلَّةٌ وغَلَبة عَدُوٍّ؛ فطلبوا الإِذن في الجِهَاد، وأن يؤمروا به، فلَمَّا أُمِرُوا، ركَعَّ أكثرهم، وصبر الأقلُّ، فنصرهم اللَّه، وفي هذا كلِّه مثالٌ للمؤمنين؛ ليحذروا المَكْرُوه منْه، ويقتدوا بالحَسَن.

و { ٱلْمَلأَ }: في هذه الآية جميعُ القَوْم؛ لأن المعنَىٰ يقتضيه، وهو أصل اللفظة، ويسمى الأشرافُ «المَلأَ»؛ تشبيهاً، و { مِن بَعْدِ مُوسَىٰ }: معناه: مِنْ بعد موته، وٱنقضاءِ مدَّته.

وقوله تعالى: { لِنَبِيٍّ لَّهُمُ } ، قال ابن إِسحاق وغيره: هو شمويلُ بْن بَابِل.

وقال السدِّيُّ: هو شَمْعُونُ، وكانت بنو إِسرائيل تغلِبُ من حارَبَها، وروي أنها كانت تَضَعُ التابوتَ الذي فيه السكينةِ والبقيَّة في مَأْزِقِ الحرب، فلا تزال تَغْلِبُ؛ حتى عصَتْ، وظهرتْ فيهم الأحداث، وخالف ملوكهم الأنبياء، واتَّبعوا الشَّهوات، وقد كان اللَّه تعالَىٰ أقام أمورهم؛ بأنْ يكون أنبياؤهم يسدِّدون ملوكهم، فلما فعلوا ما ذكرناه، سلَّط اللَّه عليهم أُمماً من الكَفَرة، فغلَبُوهم، وأُخِذَ لهم التابوتُ في بعض الحُرُوب، فذلّ أمرهم.

وقال السُّدِّيُّ: كان الغالبُ لهم «جَالُوتَ»، وهو من العمالقة، فلما رأوا أنه الاِصطلامُ، وذَهَابُ الذِّكْرِ، أَنِفَ بعضُهمْ وتكلَّموا في أمرهم؛ حتى ٱجتمع ملأهم علَىٰ أنْ قالوا لنبيِّ الوَقْتِ: { ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكًا... } الآية، وإِنما طلبوا مَلِكاً يقوم بأمر القتَال، وكانت المَمْلَكَة في سِبْطٍ من أسباط بني إِسرائيل يقال لهم: بَنُو يَهُوذا، فعلم النبيُّ بالوحْي، أنه ليس في بيْتِ المَمْلَكَة من يقوم بأمر الحَرْب، ويسَّر اللَّه لذلك طَالُوت، وقرأ جمهور النَّاسِ: «نُقَاتِلْ»؛ بالنون وجزم اللام؛ على جواب الأمر، وأراد النبيُّ المذكور - عليه السلام - أن يتوثَّق منهم، فوقفهم علَىٰ جهة التَّقْرِيرِ، وسَبْرِ ما عنْدَهم بقوله: { هَلْ عَسَيْتُمْ } ، ومعنى هذه المقالةِ، هل أنتم قريبٌ من التولِّي والفرار، إِن كُتِبَ عليكم القِتَالُ.

* ص *: { لِنَبِيٍّ } متعلِّق بـــ { قَالُواْ } ، واللامُ معناها: التبليغُ. انتهى.

ثم أخبر تعالى أنه لما فرض عليهم القتالَ، تولَّوْا، أي: ٱضطربَتْ نياتهم، وفَتَرت عزائمهم، إلا قليلاً منهم، وهذا شأن الأمم المتنعِّمة المائلَة إِلى الدَّعَة تتمنَّى الحرب أوقاتِ السَّعَة، فإِذا حَضَرت الحَرْب، كَعَّتْ، وعن هذا المعنَىٰ نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ بِقَوْلِهِ: " لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدْوِّ، وَٱسْأَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ، فَٱثْبُتُوا ". ثم توعَّد سبحانه الظالمينَ في لَفْظ الخبر؛ بقوله: { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّـٰلِمينَ }.

وقوله تعالى: { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا... } الآية: قال وهْبُ بن مُنَبِّهٍ: وكان طالوتُ رجلاً دبَّاغاً، وقال السُّدِّيُّ: سَقَّاءً، وكان من سِبْط «بِنْيَامِينَ»، وكان سبطاً لا نبوَّةَ فيه، ولا ملكَ، ثم إِن بني إِسرائيل تعنَّتوا، وحادُوا عن أمر اللَّه، وجَرَوْا على سَنَنِهِمْ، فقالوا: { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ } ، أي: لم يؤت مالاً واسعاً، يجمع به نفوسَ الرجالِ، ويَغْلِبُ به أهْل الأَنَفَةِ.

السابقالتالي
2