الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَٰهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } * { وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ... } الآية: هذه رؤية القَلْب؛ بمعنى: ألم تَعْلَمْ، وقصَّة هؤلاء فيما قال الضَّحَّاك؛ أنهم قوم من بني إِسرائيل أُمِرُوا بالجهَادِ، فخافوا الموْتَ بالقَتْل في الجهادِ، فخرجوا من ديارهم فِرَاراً من ذلك، فأماتهم اللَّه؛ ليعرِّفهم أنه لا يُنْجِيهِمْ من الموت شيْء، ثم أحياهم، وأمرهم بالجهادِ، بقوله: { وَقَـٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ... } الآية.

وروى ابن جريج عن ابن عبَّاس؛ أنهم كانوا من بني إِسرائيل، وأنهم كانوا أربعينَ ألفاً، وثمانيةَ آلاف، وأنهم أُميتوا، ثم أُحْيُوا، وبقيتِ الرائحَةُ علَىٰ ذلك السِّبْط من بني إِسرائيل إِلى اليَوْم، فأمرهم اللَّه بالجهَادِ ثانيةً، فذلك قوله: { وَقَـٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ }.

قال:* ع *: وهذا القَصَصُ كلُّه ليِّن الإِسناد، وإِنما اللازم من الآية أنَّ اللَّه تعالَىٰ أخبر نبيَّه محمَّداً صلى الله عليه وسلم إِخباراً في عبارة التنْبيه، والتوقيفِ عنْ قَوْم من البَشَر خَرَجوا من ديارهم فراراً من المَوْت، فأماتهم اللَّه، ثم أحياهم؛ ليعلموا هم وكلُّ من خَلَفَ بعدهم؛ أن الإِماتة إِنما هي بإِذْنِ اللَّه لا بيَدِ غَيْره، فلا معنَىٰ لخوفِ خائفٍ، وجعل اللَّه تعالَىٰ هذه الآية مقدِّمة بين يدَيْ أمره المؤمنين من أُمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم بالجهادِ، هذا قول الطَّبري، وهو ظاهرُ رَصْف الآية.

والجمهورُ علَىٰ أنَّ { أُلُوفٌ } جمعُ أَلْفٍ، وهو جمعُ كَثرة، وقال ابن زَيْد في لفظة { أُلُوفٌ }: إِنما معناها، وهم مؤتلفُونَ.

وقوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ... } الآية: تنبيهٌ علَىٰ فضله سبحانه على هؤلاء القَوْم الذين تفضَّل عليهم بالنعم، وأمرهم بالجهاد، وألاَّ يجعلوا الحَوْل والقُوَّة إِلا له سبحانه؛ حَسْبما أمر جميع العالم بذلك، فلم يشكروا نعمته في جميعِ هذا، بل استبدُّوا وظَنُّوا أنَّ حولَهُمْ وسعْيَهم ينجِّيهم، وهذه الآيةُ تَحْذيرٌ لسائر النَّاسِ مِنْ مثل هذا الفعْلِ، أي: فيجب أنْ يشكر النَّاسُ فضْلَه سبحانه؛ في إِيجاده لهم، ورزْقِهِ إِياهم، وهدايتِهِ بالأوامر والنواهِي، فيكون منهم المبادرة إلى ٱمتثالها، لا طَلَبُ الخُرُوج عنْها، وفي تَخْصِيصه تعالَىٰ: «الأَكْثَر» دلالةٌ على أنَّ الأقلَّ الشَّاكِر.

وقوله تعالَىٰ: { وَقَـٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ... } الآية: الجمهورُ أن هذه الآية مخاطبة لأمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم بالقتالِ في سبيلِ اللَّهِ، وهو الذي يُنْوَىٰ به أن تكون كلمةُ اللَّه هي العليا؛ حَسَب الحديث.

وقال ابن عَبَّاس، والضَّحَّاك: الأمْرُ بالقتال هو لِلَّذينَ أُحْيُوا من بني إسرائيل، قال الطبريُّ: ولا وجه لهذا القَوْل، ثم قال تعالَىٰ: { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ... } الآية: فدخل في ذلك المقاتلُ في سبيل اللَّه، فإِنه يقرض؛ رَجَاء ثوابِ اللَّهِ؛ كما فعل عثمانُ في جَيْش العُسْرة، ويُرْوَىٰ أنَّ هذه الآية، لَمَّا نزلَتْ،

السابقالتالي
2