الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّهِ قَٰنِتِينَ } * { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { حَـٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ... } الآية: الْخِطابُ لجميع الأمة، والآية أَمْر بالمحافظةِ عَلَى إِقامة الصَّلوات في أوقاتها، وبجميع شروطها، وخرَّج الطحاويُّ عن ابنِ مسعودٍ، عن النبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: " أُمِرَ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَنْ يُضْرَبَ فِي قَبْرِهِ مِائَةُ جَلْدَةٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَىٰ وَيَدْعُوهُ، حَتَّىٰ صَارَتْ وَاحِدَةً، فَٱمْتَلأَ قَبْرُهُ عَلَيْهِ نَاراً، فَلَمَّا ٱرْتَفَعَ عَنْهُ، أَفَاقَ، فَقَالَ: عَلاَمَ جَلَدتَّنِي؟ قَالَ: إِنَّكَ صَلَّيْتَ صَلاَةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، ومَرَرْتَ عَلَىٰ مَظْلُومٍ، فَلَمْ تَنْصُرْهُ " انتهى من «التذْكِرَة» للقرطبيِّ.

وفي الحديثِ: " أنَّ الصَّلاَةَ ثَلاَثَةُ أَثْلاَثٍ الطُّهُورُ ثُلُثٌ، وَالرُّكُوعُ ثُلُثٌ، وَالسُّجُودُ ثُلُثٌ، فَمَنْ أَدَّاهَا بِحَقِّهَا، قُبِلَتْ مِنْهُ، وَقُبِلَ مِنْهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَمَنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ صَلاَتُهُ، رُدَّ عَلَيْهِ سَائِرُ عَمَلِهِ " رواه النَّسَائِيّ. انتهى من «الكوكب الدَّرِّيِّ».

ورَوَىٰ مالكٌ في «الموطَّإ»، عن يَحْيَـــى بْنِ سعيدٍ؛ أنه قال: " بلَغَنِي أَنَّهُ أَوَّلُ مَا يُنْظَرُ فِيهِ مِنْ عَمَلِ العَبْدِ الصَّلاَةُ، فَإِنْ قُبِلَتْ مِنْهُ، نُظِرَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عَمَلِهِ، وَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ، لَمْ يُنْظَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ " قال أبو عمر بن عبد البَرِّ في «التمهيد»: وقد رُوِيَ هذا الحديثُ مسنَداً عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ وجوهٍ صِحَاحٍ، ثم أسند أبو عمر عن أنَسِ بنِ حكيمٍ الضَّبِّيِّ، قال: قَالَ لِي أبو هُرَيْرة: إِذا أَتَيْتَ أَهْلَ مِصْرِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ المُسْلِمُ صَلاَةُ المَكْتُوبَةِ، فَإِنْ أَتَمَّهَا وَإِلاَّ قِيلَ: ٱنْظُرُوا، هَلْ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ، أُكْمِلَتِ الفَرِيضَةُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ يُفْعَلُ بِسَائِرِ الأَعْمَالِ المَفْرُوضَةِ مِثْلُ ذَلِكَ»، وفي روايةِ تَمِيمِ الدَّارِيِّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ بهذا المعنَىٰ.

قال: «ثُمَّ الزَّكَاةُ مِثْلُ ذَلِكَ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَىٰ حَسَبِ ذَلِكَ» " انتهى.

وذكَرَ اللَّه سبحانه الصَّلاةَ الوسْطَىٰ ثانيةً، وقد دَخَلَتْ قَبْلُ في عموم قوله: «الصَّلَوَاتِ»؛ لأنه أراد تشريفَهَا.

واختلف النَّاس في تعيينها.

فقال عليٌّ، وابن عبَّاسٍ، وجماعة من الصَّحابة: إِنها صلاةُ الصُّبْح، وهو قول مالكٍ، وقالتْ فرقةٌ: هي الظُّهْر، وورد فيه حديث، وقالت فرقة: هي صلاةُ العَصْر، وفي مُصْحَف عائشةَ، وإِملاء حَفْصَة: «صَلاَةِ العَصْرِ»؛ وعلَىٰ هذا القول جمهورُ العلماءِ، وبه أقولُ.

وقال قَبِيصَةُ بن ذُوَيْبٍ: هي صلاة المَغْرِب، وحكى أبو عمر بن عبد البَرِّ عن فرقة؛ أنها صلاة العشَاءِ الآخِرَةِ، وقالتْ فرقة: الصلاة الوسطَىٰ لم يعيِّنها اللَّه سبْحانه، فهي في جملة الخَمْس غير معيَّنة؛ كليلة القَدْر، وقالت فرقة: هي صلاة الجُمُعَة، وقال بعضُ العلماء: هي الخَمْس، وقوله أولاً: { عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ } يعم النفْلَ، والفَرْض، ثم خَصْ الفرْضَ بالذِّكْر.

السابقالتالي
2