وقوله تعالى: { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ... } الآية: مبيحةٌ لهيئات الإِتيان كلِّها، إِذا كان الوطء في موضع الحرثِ، ولفظة «الحَرْث» تعطي أنَّ الإِباحة لم تقعْ إِلا في الفَرْجِ خاصَّة؛ إِذ هو المُزْدَرَعُ. قال ابنُ العَرَبِيِّ في «أحكامه»: وفي سبب نزولِ هذه الآية رواياتٌ: الأولَىٰ: عن جابرٍ، قال: كانَتِ اليهودُ تقولُ: من أتَى ٱمْرَأَةٍ فِي قُبُلِهَا منْ دُبُرِهَا، جَاءَ الوَلَدُ أَحْوَلَ، فنزلَتِ الآية، وهذا حديثٌ صحيحٌ خرَّجه الأئمَّة. الثانية: قالتْ أمُّ سلَمَة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ }: قال: " يَأْتِيَها مُقْبِلَةً ومُدْبِرَةً، إِذَا كَانَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ " خرَّجه مسْلم، وغيره. الثالثة: ما رَوَى الترمذيُّ " أنَّ عمر جاء إِلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ لَهُ: هَلَكْتُ، قَالَ: «وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: حَوَّلْتُ البَارِحَةَ رَحْلِي، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئاً، حتَّىٰ نزلَتْ: { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ، وَٱتَّقِ الدُّبُرَ» " انتهى. قال: * ع *: وَ { أَنَّىٰ شِئْتُمْ }: معناه عند جمهور العلماء: من أيِّ وجهٍ شئتم؛ مقبلةً، ومدبرةً، وعلَىٰ جَنْب. قال: * ع *: وقد ورد عَنْ رسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم في مصنَّف النسائيِّ وفي غيره؛ أنه قَالَ: " إِتْيَانُ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ حَرَامٌ " ، وورد عنْه فيه، أنَّه قال: " مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى ٱمْرَأَةً فِي دُبُرَهَا " ، وورد عنه، أنَّه قال: " مَنْ أَتَى ٱمْرَأَةً فِي دُبُرِهَا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَىٰ قَلْبِ مُحَمَّدٍ " ، وهذا هو الحقُّ المتَّبع، ولا ينبغي لمؤمنٍ باللَّه أن يعرج بهذه النازلة علَىٰ زَلَّة عالِمٍ بعد أنْ تصحَّ عنْه، واللَّه المرشِدُ لا ربَّ غيره. وقوله جلَّت قُدْرته: { وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ }. قال السُّدِّيُّ: معناه: قدِّموا الأجْر في تجنُّب ما نُهِيتُمْ عنْه، وٱمتثالِ ما أُمِرْتُمْ به - { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ }: تحذيرٌ - { وَٱعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلَـٰقُوهُ }: خبرٌ يقتضي المبالغَةَ في التحْذير، أي: فهو مجازيكُمْ علَى البِرِّ والإِثم { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }: تأنيسٌ لفاعلي البرِّ، ومِتَّبِعِي سُنَن الهدَىٰ.