الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ }

قوله تعالَىٰ: { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ... } الآيَةَ: «يَا»: حرفُ نداءٍ، وفيه تنبيهٌ، و «أَيُّ» هو المنادَىٰ، قال مجاهد: { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } حيث وقع في القرآن مَكِّيٌّ، و { يـَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } مدنيٌّ.

قال: * ع *: قد تقدَّم في أول السورة؛ أنها كلها مدنية، وقد يجـيء في المَدَنِيِّ: { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ }.

وأما قوله في: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } فصحيح.

{ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ }: معناه: وحِّدوه، وخصوه بالعبادة، وذكر تعالى خلقه لهم؛ إِذ كانت العرب مقرة بأن اللَّه خلقها، فذكر ذلك سبحانه حجةً عليهم، ولعل في هذه الآية قال فيها كثيرٌ من المفسِّرين: هي بمعنى إيجاب التقوَىٰ، وليست من اللَّه تعالَىٰ بمعنى ترجٍّ وتوقُّع، وفي «مختصر الطَّبَرِيِّ»: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } عن مجاهد، أي: لعلَّكم تطيعون، والتقوَى التوقِّي من عذاب اللَّه بعبادته، وهي من الوقاية، وأما «لَعَلَّ» هنا، فهي بمعنى «كَيْ» أو «لامِ كَيْ»، أي: لتتقوا، أوْ لكَيْ تتقوا، وليست هنا من اللَّه تعالَىٰ بمعنى الترجِّي، وإنما هي بمعنى كَيْ، وقد تجـيء بمعنى «كَيْ» في اللغة؛ قال الشاعر: (الطويل)
وَقُلْتُمْ لَنَا كُفُّوا الحُرُوبَ لَعَلَّنَا   نَكُفُّ وَوَثَّقْتُمْ لَنَا كُلَّ مَوْثِقِ
انتهى.

قال: * ع *: وقال سيبويه: ورؤساءُ اللِّسَان: هي على بابها، والترجِّي والتوقُّع إنما هو في حيز البشر، أي: إذا تأملتم حالكم مع عبادة ربكم، رجَوْتُمْ لأنفسكم التقوَىٰ، و «لَعَلَّ»: متعلِّقة بقوله: «ٱعْبُدُوا»، ويتجه تعلُّقها بـ «خَلَقَكُمْ» أي: لَمَّا وُلِدَ كلُّ مولود على الفطرة، فهو إِن تأمله متأمِّل، توقَّع له ورجا أن يكون متقياً، و «تَتَّقُونَ»: مأخوذ من الوقاية، وجعل بمعنى «صَيَّرَ» في هذه الآية؛ لتعدِّيها إِلى مفعولين، و «فِرَاشاً» معناه: تفترشونها، و «السَّمَاء» قيل: هو اسم مفرد، جمعه سماوات، وقيل: هو جمعٌ، واحده سَمَاوَة، وكلُّ ما ارتفع عليك في الهواء، فهو سماء، { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ } يريد السحاب، سمي بذلك تجوُّزاً؛ لَمَّا كان يلي السماء، وقد سَمَّوُا المطر سماءً للمجاورة؛ ومنه قول الشاعر: [الوافر]
إِذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بأَرْضِ قَوْمٍ   رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا
فتجوز أيضاً في «رَعَيْنَاهُ».

وواحد الأنداد نِدٌّ، وهو المقاوم والمضاهي، واختلف المتأوِّلون من المخاطب بهذه الآية، فقالتْ جماعة من المفسِّرين: المخاطَبُ جميع المشركين، فقوله سبحانه على هذا: { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } يريد العلم الخاصَّ في أنه تعالَىٰ خلق، وأنزل الماء، وأخرج الرزق، وقيل: المراد كفَّار بني إسرائيل، فالمعنى: وأنتم تعلَمُون من الكتب التي عندكم أنَّ اللَّه لا ندَّ له، وقال ابنْ فُورَكَ: يحتمل أن تتناول الآية المؤمنين.

قوله تعالى: { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ } ، أي: في شكٍّ، { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ }: الضمير في «مِثْلِهِ» عند الجمهور: عائد على القرآن، { وَٱدْعُواْ شُهَدَاءَكُم } ، أي: مَنْ شهدكم وحضركم من عون ونصير؛ قاله ابنُ عَبَّاس: { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } ، أي: فيما قلتم من أنَّكم تقدرون على معارضته.

السابقالتالي
2