الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

وقوله سبحانه: { سَلْ بَنِي إِسْرَٰءِيلَ... } الآية: معنى الآية: توبيخُهم علَىٰ عنادهم بعد الآياتِ البيِّناتِ، والمراد بالآيةِ: كم جاءَهُمْ في أمر محمَّد صلى الله عليه وسلم من آية مُعرِّفةٍ به دالَّةٍ عليه، و { نِعْمَةَ ٱللَّهِ }: لفْظٌ عامٌّ لجميع إِنعامه؛ ولكنْ يقوِّي من حال النبيِّ صلى الله عليه وسلم معهم؛ أنَّ المشار إِليه هنا هو محمَّد صلى الله عليه وسلم فالمعنَىٰ: ومن يبدِّلْ من بني إِسرائيل صفةَ نعمة اللَّه، ثم جاء اللفظ منسحباً علَىٰ كلِّ مبدِّل نعمةً للَّه، ويدخل في اللفظ كفَّار قريشٍ، والتوراةُ أيضاً نعمةٌ على بني إِسرائيل، فبدَّلوها بالتحريفِ لها، وجَحْدِ أمرِ محمَّد صلى الله عليه وسلم، { فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }: خبرٌ يتضمنُ الوعيد.

وقوله تعالى: { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا... } الآية: الإِشارة إِلى كفار قريشٍ؛ لأنهم كانوا يعظمون حالهم في الدنيا، ويغتبطون بها، ويسخرون من أتْبَاعِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ كبلالٍ، وصُهَيْبٍ، وابنِ مَسْعودٍ، وغيرهم، فذكر اللَّه قبيحَ فعلهم، ونبه على خَفْض منزلتهم بقوله: { وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } ، ومعنى الفوقيَّة هنا في الدرجَةِ والقَدْر؛ ويحتمل أن يريد أنَّ نعيم المتَّقِينَ في الآخرة فوْقَ نعيمِ هؤلاءِ الآن. قُلْتُ: وحكى الداووديُّ عن قتادة: فوقهم يوم القيامة. قال: فَوْقَهُم في الجَنَّة. انتهى.

ومهما ذكرتُ الداووديَّ في هذا «المختصر»، فإِنما أريد أحمد بن نَصْرٍ الفقيهَ المَالِكِيَّ، ومن تفسيره أنا أنقل. انتهى.

فإِن تشوَّفَتْ نفسُك أيها الأخُ إِلى هذه الفوقيَّة، ونَيْلِ هذه الدرجة العَليَّة، فَٱرْفُضْ دنياك الدنيَّة، وازهَدْ فيها بالكليَّة؛ لتسلَمَ من كل آفة وبليَّة، وٱقْتَدِ في ذلك بخَيْر البريَّهْ. قال عِيَاضٌ في «شِفَاهُ»: فانظُرْ - رحمك اللَّه - سِيرَةَ نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم وخُلُقَه في المال، تجده قد أوتي خزائنَ الأرْض [ومفاتيح البلاد، وأُحلّت له الغنائم، ولم تحلَّ لنبي قبله، وفتح عليه في حياته صلى الله عليه وسلم بلاد الحجاز واليمن؛ وجميع جزيرة العرب، وما دانى ذلك من الشام والعراق]، وجُبِيَتْ إِلَيْه الأخماس، [وصدقاتها ما لا يجبى للملوك إِلاَّ بعضه]، وهادَتْه جماعةٌ من الملوك، فما ٱستأْثَرَ بشيء من ذلك، ولا أمْسَكَ دِرْهَماً منْه، بل صرفه مصارفه، وأغنَىٰ به غيره، وقوَّىٰ به المسلمين، ومات صلى الله عليه وسلم، ودِرْعُهُ مرهُونَةٌ في نفقةِ عيَالِهِ، وٱقتصر من نفقته ومَلْبَسِهِ علَىٰ ما تدْعُوه ضرُورتُهُ إِليه، وزهد فيما سواه، فكان - عليه السلام - يلبس مَا وَجَدَ، فيلْبَسُ في الغالِبِ الشَّمْلَة، والكساءَ الخَشِنَ، والبُرْدَ الغليظَ. انتهى.