الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } * { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ }

وقوله تعالى: { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَٰتٍ }. أَمَرَ اللَّه سبحانه بذكْره في الاْيام المعدوداتِ، وهي الثلاثة الَّتي بعد يَوْم النحر، ومن جملة الذكْر التكبيرُ في إِثْر الصَّلواتِ.

قال مالك: يكبِّر من صلاة الظُّهْر يوم النَّحْر إِلى صلاة الصُّبْح من آخر أيام التَّشْريق، وبه قال الشافعيُّ، ومشهور مذهبِ مالكٍ، أنه يكبِّر إِثْر كلِّ صلاةٍ ثلاثَ تكْبيراتٍ.

ومن خواصِّ التكبير وبركتِهِ ما رواه ابن السُّنِّيِّ، بسنده، عن عمرو بن شُعَيْب، عن أبيه، عن جَدِّه، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا رَأَيْتُمُ الحَرِيقَ، فَكَبِّرُوا؛ فَإِنَّ التَّكْبِيرَ يُطْفِئُهُ " انتهى من «حلية النوويِّ».

وقوله تعالى: { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ... } الآية: قال ابنُ عبَّاس وغيره: المعنى: من نَفَر اليوم الثَّاني من الأيام المعدوداتِ، فلا حرج عليه، ومن تأخَّر إِلى الثالث، فلا إِثم عليه، كلُّ ذلك مباحٌ؛ إِذ كان من العربِ مَنْ يذمُّ المتعجِّل وبالعكْس، فنزلَتِ الآية رافعةً للجُنَاحِ قُلْتُ: وأهل مكة في التعجيلِ كغيرهم على الأصحِّ.

ثم أمر سبحانه بالتقْوَىٰ، وذكَّر بالحَشْر، والوقوفِ بين يَدَيْهِ.

وقوله تعالى: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا... } الآية.

قال السُّدِّيُّ: نزلَتْ في الأخْنَسِ بْنِ شريقٍ: أظهر الإِسلام، ثم هَرَب، فمرَّ بقومٍ من المسلمين، فأحرق لهم زرعاً، وقتل حُمُراً.

قال: * ع *: ما ثبت قطُّ أن الأخنس أسلم، قُلْتُ: وفي ما قاله: * ع *: نَظَرٌ، ولا يلزم من عدم ثبوتِهِ عِنْده ألاَّ يثبت عنْد غيره، وقد ذكر أحمدُ بن نصرٍ الدَّاووديُّ في تفسيره؛ أنَّ هذه الآية نزلَتْ في الأخْنَس بْنِ شريق. انتهى، وسيأتي للطبريِّ نحوه.

وقال قتادةُ، وجماعة: نزلَتْ هذه الآيةُ في كل مُبْطِن كُفْرٍ، أو نفاقٍ، أو كذبٍ، أو ضرارٍ، وهو يظهر بلسانه خلافَ ذلك، فهي عامَّة، ومعنى: { وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ } ، أي: يقول: اللَّه يعلم أنِّي أقول حقًّا، والأَلَدُّ: الشديدُ الخصومةِ الذي يَلْوِي الحجج في كل جانبٍ، فيشبه انحرافُه المَشْيَ في لَدِيديِ الوَادِي.

وعنه صلى الله عليه وسلم: " أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الخَصْمُ ". و { تَوَلَّىٰ } و { سَعَىٰ }: يحتمل معنيين:

أحدهما: أن يكونا فِعْلَ قَلْبٍ، فيجيء «تَوَلَّىٰ» بمعنى: ضَلَّ وغَضِبَ وأنف في نَفْسه، فسعَىٰ بِحِيَلِهِ وإِدارته الدوائر علَى الإِسلام؛ نحا هذا المنحَىٰ في معنى الآية ابْنُ جُرَيْج، وغيره.

والمعنى الثاني: أن يكونا فِعْلَ شخصٍ، فيجيء «تَوَلَّى» بمعنى: أدبر ونَهَض وسَعَىٰ، أي: بقدميه، فقطع الطريقَ وأفسدها، نحا هذا المنحَى ٱبْنُ عبَّاس وغيره.

وقوله تعالى: { وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ }: قال الطبريُّ: المراد الأخنَسُ في إِحراقه الزرْعَ، وقتلِهِ الحُمُرَ؛

قال: * ع *: والظاهر أن الآية عبارةٌ عن مبالغته في الإِفساد.

و { لاَ يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ } معناه: لا يحبُّه من أهل الصَّلاح، أو لا يحبُّه دِيناً، وإِلا فلا يقع إِلاَّ ما يحبُّ اللَّه وقوعه، والفسادُ: واقعٌ، وهذا علَىٰ ما ذهب إِليه المتكلِّمون من أنَّ الحُبَّ بمعنى الإِرادة.

قال: * ع *: والحُبُّ له على الإِرادة مزيَّة إِيثارٍ؛ إِذ الحبُّ من اللَّه تعالى إِنما هو لما حَسُنَ من جميع جهاته.