الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } * { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قوله تعالَىٰ: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً } إلى قوله: { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ }: قال الفَخْر: اعلم أن المقصود من ضرب المِثَالِ أنه يؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفْسِهِ؛ لأن الغرض من المَثَل تشبيه الخَفِيِّ بِالجَلِيِّ، والغائب بالشاهدِ، فيتأكَّد الوقوفُ على ماهيته، ويصير الحس مطابقاً للعقل؛ وذلك هو النهاية في الإِيضاح؛ ألا ترَىٰ أنَّ الترغيب والترهيب إِذا وقع مجرَّداً عن ضرب مَثَلٍ، لم يتأكَّد وقوعه في القلب؛ كتأكُّده مع ضرب المثل، ولهذا أكثر اللَّه تعالَىٰ في كتابه المبين، وفي سائر كتبه الأمثالَ، قال تعالَىٰ:وَتِلْكَ ٱلأَمْثَـٰلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [الحشر:21] انتهى.

والمَثَل والمِثْل والمَثِيلُ واحدٌ، معناه: الشبيه، قاله أهل اللغة.

و { ٱسْتَوْقَدَ }: قيل: معناه أوقد.

واختلف المتأولون في فعل المنافقين الذي يشبه فعل الذي استوقد ناراً؛ فقالت فرقةٌ: هي فيمن كان آمن، ثم كفر بالنفاقِ، فإِيمانه بمنزلة النار أضاءت، وكفره بعد بمنزلة انطفائها، وذهابِ النور، وقالت فرقةٌ، منهم قتادة: نطقهم بـــ «لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ» والقُرْآنِ كإِضاءة النار، واعتقادهم الكفر بقلوبهم كٱنطفائها، قال جمهورُ النحاة: جواب «لَمَّا»: «ذَهَبَ» ويعود الضمير من نورهم على «الذي»، وعلى هذا القولِ يتمُّ تمثيل المنافق بالمستوقِدِ؛ لأنَّ بقاء المستوقِدِ في ظلمات لا يبصر كبقاء المنافق؛ على الخلاف المتقدِّم.

وقال قومٌ: جوابُ «لَمَّا» مضمرٌ، وهو «طُفِئَتْ»، فالضمير في «نُورِهِمْ» على هذا للمنافقين، والإخبار بهذا هو عن حال لهم تكونُ في الآخرة، وهو قوله تعالَىٰ:فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ... } الآيةَ [الحديد:13] وهذا القول غير قويٍّ.

والأصم: الذي لا يسمع، والأبكم: الذي لا ينطق، ولا يفهم، فإِذا فهم، فهو الأخرس، وقيل: الأبكم والأخرس واحدٌ، ووصفهم بهذه الصفات؛ إِذْ أعمالهم من الخطإ وعدم الإِجابة؛ كأعمال من هذه صفته.

و «صُمٌّ»: رفع على خبر الابتداء، إما على تقدير تكرير «أُولَئِكَ»، أو إِضمارهم.

وقوله تعالَىٰ: { فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } قيل: معناه: لا يؤمنون بوجْهٍ، وهذا إنما يصح أنْ لو كانت الآية في معيَّنينِ، وقيل: معناه: فهم لا يرجعونَ ما داموا على الحال التي وصفهم بها، وهذا هو الصحيحُ.

{ أَوْ كَصَيِّبٍ }: «أَوْ»: للتخيير، معناه مثِّلوهم بهذا أو بهذا، والصَّيِّبُ المَطَرُ؛ من: صَابَ يَصُوبُ، إِذا انحط من عُلْو إِلى سُفْل.

و { ظُلُمَـٰتٌ }: بالجمع: إِشارة إِلى ظلمة الليل وظلمة الدجن، ومن حيث تتراكب وتتزيد جُمِعَتْ، وكون الدجن مظلماً هول وغم للنفوس؛ بخلاف السحاب والمطر، إذا انجلَىٰ دجنه، فإنه سارٌّ جميل.

واختلف العلماء في «الرَّعْدِ»، فقال ابن عباس ومجاهد وشَهْرُ بن حَوْشَبٍ وغيرهم: هو مَلَكٌ يزجرُ السحابَ بهذا الصوتِ المسموعِ كلَّما خالفتْ سحابةٌ، صاح بها، فإِذا اشتد غضبه، طارت النار من فيه، فهي الصواعقُ، واسم هذا الملك: الرَّعْد.

السابقالتالي
2