الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَٰجِدِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى ٱلْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ بِٱلإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

وقوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ... } الآيةَ: لفظة { أُحِلَّ } تقتضي أنه كان محرَّماً قبل ذلك، و { لَيْلَةَ }: نصب على الظَّرْف.

و { ٱلرَّفَثُ }: كناية عن الجِمَاع؛ لأن اللَّه تعالَىٰ كريمٌ يُكَنِّي؛ قاله ابن عَبَّاس وغيره، والرَّفَثُ في غير هذا: ما فَحُشَ من القول، وقال أبو إِسْحَاق: الرَّفَثُ: كلُّ ما يأتيه الرجُلُ، مع المرأة من قُبْلةٍ، ولَمُسٍ.

* ع *: أو كلامٍ في هذا المعنى، وسببُ هذه الآيةِ فيما قال ابن عَبَّاس وغيره: إِن جماعةً من المسلمين ٱختانوا أنفُسَهُم، وأصابوا النِّسَاء بعد النَّوْم، أو بعد صلاة العشَاء على الخلافِ في ذلك، منْهم عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب: جاء إِلى امرأته، فأرادها، فقالَتْ له قد نِمْتُ، فَظَنَّ أنها تَعْتَلُّ بذلك، فوقع بها، ثم تحقَّق أنها قد كانت نامَتْ، وكان الوطْءُ بعد نَوْمِ أحدهما ممنوعاً، فذهب عُمَرُ، فٱعتذر عنْدَ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فنَزَلَ صدْرُ الآية، وروي أن صِرْمَةَ بْنَ قَيْسٍ نام قَبْل الأكْلِ، فبقي كذلك دُونَ أكْلٍ، حتَّىٰ غُشِيَ علَيْهِ في نهارِهِ المُقْبِلِ، فنَزَلَ فيه مَنْ قوله تعالى: { وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ }.

واللِّبَاسُ: أصله في الثِّيَاب، ثم شبه ٱلْتِبَاس الرَّجُلٍ بالمرأةِ بذلك.

وتَابَ عَلَيْكُمْ، أي: من المعصية التي وقعتم فيها.

قال ابنُ عبَّاس وغيره: { بَـٰشِرُوهُنَّ } كنايةٌ عن الجماعة، { وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ }.

قال ابن عبَّاس وغيره: أي: ٱبتغوا الوَلَدَ، قال الفَخْر والمَعْنَىٰ: لا تباشروهن لقضاء الشهوة فقطْ، ولكنْ لٱبْتغاءِ ما وَضَعَ اللَّه له النِّكاح من التناسُلِ، قال ـــ عليه السلام ـــ: " تَنَاكَحُوا، تَنَاسَلُوا؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ " انتهى.

وقيل: المعنى: ٱبتغوا ليلةَ القَدْرِ.

وقيل: ابتغوا الرُّخْصَة، والتوسعَةَ؛ قاله قتادة، وهو قول حَسَنٌ.

{ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ... } الآيةُ: نزلت بسبب صِرْمَةَ بْنِ قَيْسٍ، و { حَتَّىٰ }: غايةٌ للتبيُّن، ولا يصحُّ أن يقع التبيُّن لأحد، ويحرم عليه الأكل إِلا وقدْ مَضَى لطُلُوع الفجْرِ قدْرٌ، والخيط استعارةٌ وتشبيه لرقَّة البياضِ أولاً، ورقَّةُ السوادِ إِلحاقٌ به، والمرادُ فيما قال جميع العلماء: بياضُ النهارِ، وسوادُ الليل.

و { مِنَ } الأولى لٱبتداء الغايةِ، والثانيةُ للتبعيض، و { ٱلْفَجْرِ }: مأخوذ من تَفَجُّر الماء؛ لأنه ينفجر شيئاً بعد شيْء، وروي عن سَهْل بن سعدٍ وغيره من الصحَابة؛ أن الآية نزلَتْ إِلا قوله: { مِنَ ٱلْفَجْرِ } ، فصنع بعض الناسِ خَيْطَيْنِ، أَبْيَضَ وأسْوَدَ، فنزَلَ قوله تعالَىٰ: { مِنَ ٱلْفَجْرِ }.

* ع *: ورُوِيَ؛ " أنَّهُ كَانَ بَيْنَ طرفَيِ المُدَّة عامٌ من رمَضَان إِلى رمَضَان تأخّر البيان إِلى وقت الحاجة، وعَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ جعل خيطَيْن علَىٰ وسَادِهِ، وأخبر النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: «إِنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ» ". واختلف في الحدِّ الذي بتبيُّنه يجبُ الإِمساك، فقال الجمهورُ، وبه أخذ الناس، ومضَتْ عليه الأمصار والأعصار، ووردتْ به الأحاديثُ الصِّحَاحُ: إِنه الفَجْر المُعْتَرِضُ في الأُفُقِ يَمْنَةً ويَسْرَةً، فبطلوعِ أوله في الأفق يجبُ الإمساكُ، وروي عن عثمانَ بن عفَّان، وحذيفةَ بن اليَمَانِ، وابن عبَّاس وغيرهم؛ أن الإِمساك يجبُ بتبيُّن الفَجْر في الطُّرُق، وعلى رءوس الجبالِ، وذكر عن حُذَيفة؛ أنه قال: «تَسَحَّرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ النَّهارُ إِلاَّ أنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ».

السابقالتالي
2 3