الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قوله تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ }: الشَّهْرُ: مشتقٌّ من الاشتهار.

قال: * ص *: الشهر مصْدَرُ: شَهَر يَشْهر، إِذا ظهر، وهو اسم للمدَّة الزمانيَّة، وقال الزجَّاج: الشَّهْر: الهلالُ، وقيل: سمِّي الشهْرُ باسمِ الهلالِ. انتهى.

ورَمَضَانُ: عَلِقَهُ هذا الاسمُ من مُدَّة كان فيها في الرَّمَضِ، وشدَّة الحَرِّ، وكان اسمه قبل ذلك نَاثراً.

واختلف في إنزال القرآن فيه، فقال الضَّحَّاك: أنزل في فَرْضِهِ، وتعظيمِهِ، والحضِّ عليه، وقيل: بدىء بنُزُوله فيه علَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقال ابنُ عبَّاس فيما يؤثر: أنزل إِلى السماء الدنيا جملةً واحدةً ليلةَ أربعٍ وعشرينَ من رمَضَان، ثم كان جبريلُ ينزله رِسْلاً رِسْلاً في الأوامر، والنواهي، والأسباب، وروى وَاثِلَةٌ بن الأَسْقَعِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أنَّهُ قَالَ: " نَزَلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالتَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْهُ، وَالإِنْجيلُ لِثَلاَثَ عَشْرَةَ، وَالْقُرْآنُ لأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ " و { هُدًى } في موضع نصبٍ على الحال من القُرآن، فالمراد أن القرآن بجملته مِنْ مُحْكَمٍ ومتشابِهٍ وناسخٍ ومنسوخٍ - هُدًى ثم شُرِّفَ، بالذِّكْر، والتخصيصِ البيناتُ منه، يعني: الحلالَ والحرامَ والمواعظَ والمُحْكَمَ كلّه، فالألفُ واللامُ في الهُدَىٰ للعهْدِ، والمراد الأول.

قال: * ص *: { هُدًى }: منصوبٌ على الحال، أي: هادياً، فهو مصدرٌ وضع موضعَ ٱسْمِ الفاعلِ، وذو الحال القُرآن، والعاملُ «أنزل». انتهى.

و { ٱلْفُرْقَانُ }: المُفَرِّق بين الحق والباطل، و { شَهِدَ }: بمعنى حَضَر، والتقدير: مَنْ حضر المِصْرَ في الشَّهْر، فالشهر نصْبٌ على الظرف.

وقوله سبحانه: { يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ }.

قال مجاهد، والضَّحَّاك: اليُسْر: الفِطْر في السفر، والعسر: الصوم في السفر.

* ع *: والوجْهُ عمومُ اللفظِ في جميع أمورِ الدينِ، وقد فسر ذلك قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: " دِينُ اللَّهِ يُسْرٌ ". قلتُ: قال ابْنُ الفاكهانيِّ في «شرح الأربعينَ» للنَّوويِّ: فإِن قلْتَ: قوله تعالى:إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً.. } [الشرح:6] الآيةَ، يدلُّ على وقوع العُسْر قطعاً، وقوله تعالى: { يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ } يدلُّ على نفي العسرِ قطعاً؛ لأن ما لا يريده تعالى، لا يكون بإجماع أهل السنة، قلْتُ: العسرُ المنفيُّ غير المثبت، فالمنفيُّ: إنما هو العسر في الأحكام، لا غير، فلا تعارض. انتهى.

وترجم البخاريُّ في «صحيحه» قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: " يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا " ، وَكَانَ يُحِبُّ التَّخْفِيفَ وَاليُسْرَ عَلَى النَّاسِ. ثم أسند هو ومسلمٌ عن أنس، قال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَسَكِّنُوا وَلاَ تْنَفِّرُوا " وأسند البخاريُّ ومسلم عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال لأبِي مُوسَىٰ، ومعاذٍ: " يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا "

السابقالتالي
2