الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ } * { فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

وقوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ... } الآية: { كُتِبَ }: معناه: فُرِضَ وأُثْبِتَ، وفي قوله تعالَىٰ: { إِذَا حَضَرَ } مجازٌ؛ لأن المعنى: إِذا تخوَّف وحضرتْ علاماتُهُ.

والخير في هذه الآية: المالُ، واختُلِفَ في هذه الآية، هل هي مُحْكَمَةٌ، أو منسوخةٌ، فقال ابنُ عبَّاس، وقتادةُ، والحَسَن: الآيةُ عامَّة، وتقرَّر الحكم بها برهةً، ونسخ منها كلّ من يرث بآية الفرائض، وقال بعضُ العلماء: إِن الناسخ لهذه الآية هي السُّنَّة المتواترةُ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَىٰ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ؛ فَلاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ". و { بِٱلْمَعْرُوفِ }: معناه بالقصد الَّذي تعرفه النفوسُ دون إِضرار بالورثة، ولا تَنْزِير للوصية و { حَقّاً }: مصدر مؤكِّد، وخُصَّ «المتقون» بالذكر؛ تشريفاً للرتبة؛ ليتبادر النَّاس إِليها.

وقوله تعالى: { فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ... } الآية: الضمير في «بَدَّلَهُ» عائدٌ على الإيصاء، وأمر الميت، وكذلك في «سَمِعَهُ»، ويحتمل أن يعود الذي في «سَمِعَهُ» على أمر اللَّه تعالَىٰ في هذه الآية، والأول أسبق للناظر، و { سَمِيعٌ عَلِيمٌ }: صفتان لا يخفَىٰ معهما شيْءٌ من جَنَفِ الموصِينَ، وتبديلِ المتعدينَ، والجَنَفُ: الميل.

ومعنى الآية علَىٰ ما قال مجاهد: من خشي أن يحيف الموصِي، ويقطع ميراث طائفة، ويتعمَّد الإِذاءة، فذلك هو الجَنَفُ في إِثم، وإِن لم يتعمَّد، فهو الجنف، دون إِثم، فالمعنى: مَنْ وعظه في ذلك وردَّه عنه، وأصلح ما بينه وبين ورثَتِهِ، وما بين الورثة في ذاتهم، فلا إِثم عليه؛ { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } بالموصِي، إِذا عملت فيه الموعظة، ورجع عما أراد من الإذاءة.

وقال ابن عبَّاس وغيره: معنى الآية: { مَنْ خَافَ } ، أي: علِم، ورأَىٰ بعد موت الموصِي؛ أن الموصِيَ حَافَ، وجَنَف، وتعمَّد إذاءة بعض ورثته، { فَأَصْلَحَ } ما بين الورثة، { فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } ، وإِن كان في فعله تبديلٌ مَّا؛ لأنه تبديلٌ لمصلحة، والتبديلُ الذي فيه الإِثم إِنما هو تبديلُ الهَوَىٰ.