الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } * { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ إِلاَّ ٱلْفَاسِقُونَ } * { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وٱتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

وقوله تعالى: { مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ... } الآيةَ: وعيدٌ وذمٌّ لمعادِي جبريلَ، وإعلام أن عداوة البعض تقتضي عداوةَ اللَّهِ لهم، وعطف جبريل وميكائل على الملائكة، وقد كان ذكْر الملائكة عمَّهما؛ تشريفاً لهما؛ وقيل: خُصَّا لأن اليهود ذكروهما، ونزلَتِ الآية بسببهما؛ فذكرا لئلا تقول اليهود: إِنا لم نُعَادِ اللَّه، وجميعَ ملائكتِهِ، وعداوةُ العبدِ للَّه هي مَعْصِيَتُهُ، وترْكُ طاعته، ومعاداةُ أوليائه، وعداوةُ اللَّه للعبْدِ تعذيبُهُ وإظهار أثر العداوة عليه.

وقوله تعالى: { أَوَكُلَّمَا عَـٰهَدُواْ عَهْدًا... } الآيةَ: قال سيبوَيْه: «الواو للعطف، دخلت عليها ألف الاستفهام»، والنبذ: الطَّرْح، ومنه المنبوذ، والعَهْد الذي نبَذُوه: هو ما أُخِذَ عليهم في التوراة من أمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم { وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } هو محمَّد صلى الله عليه وسلم و { مُصَدِّقٌ }: نعْتٌ لرسولٍ، وكتابُ اللَّه: القُرْآن، وقيل: التوراة؛ لأن مخالفتها نبذٌ لَهَا، و { وَرَاء ظُهُورِهِمْ }؛ مَثَلٌ؛ لأن ما يجعل ظهريًّا، فقد زال النظَر إِلَيْه جملةً، والعرب تقول: جَعَلَ هذا الأمْرَ وراءَ ظهره، ودَبْرَ أُذُنِهِ.

وَ { كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }: تشبيهٌ بمن لا يَعْلَم فيجيء من اللفظ أنهم كفروا على عِلْمٍ.

وقوله تعالى: { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ... } الآية: يعني اليهود، و { تَتْلُواْ }: قال عطاءٌ: معناه: تقرأ، وقال ابن عبَّاس: { تَتْلُواْ }: تتبع، و { عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ } ، أي: على عهد مُلْكِ سليمانَ، وقال الطبريُّ: { ٱتَّبَعُواْ }: بمعنى: فَضَّلُوا، و { عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ } ، أي: على شرعه ونبوءته، والَّذي تلته الشياطينُ، قيل: إِنهم كانوا يلقون إِلى الكهنة الكَلِمَةَ من الحَقِّ معها المائةُ من الباطل؛ حتى صار ذلك علمهم، فجمعه سُلَيْمَانُ، ودفَنَه تحْت كرسيِّه، فلما مات، أخرجته الشياطينُ، وقالت: إن ذلك كان علْمَ سُلَيْمَان.

وروي أنَّ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لما ذَكَر سليمانَ - عليه السلام - في الأنبياء، قال بعضُ اليهود: ٱنْظُروا إِلَىٰ محمَّد يذكر سليمانَ في الأنبياء، وما كان إِلا ساحراً.

وقوله تعالى: { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ } تبرئةٌ من اللَّه تعالَىٰ لسليمان - عليه السلام.

والسِّحْرُ والعمل به كفْرٌ، ويقتلُ السَّاحر عند مالك؛ كُفْراً، ولا يستتابُ؛ كالزنديقِ، وقال الشافعيُّ: يسأل عن سِحْره، فإِن كان كُفراً، استتيب منه، فإِن تاب، وإِلا قتل، وقال مالكٌ فيمَنْ يعقدُ الرجَالَ عن النساءِ: يعاقَبُ، ولا يُقْتَلُ، والناس المعلَّمون: أتباعُ الشياطين من بني إِسرائيل، { وَمَا أُنزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ }: «مَا» عطْفٌ على السِّحْر، فهي مفعولةٌ، وهذا على القول بأن اللَّه تعالى أنزل السِّحْرَ على الملكَيْن؛ ليكفر به من اتبعه، ويؤمن به من تركه، أو على قول مجاهد وغيره؛ أنَّ اللَّه تعالى أنزل على الملكَيْن الشيْءَ الذي يفرق به بين المرء وزوجه، دون السِّحْر، أو على القول؛ أن اللَّه تعالى أنزل السحر عليهما؛ ليُعْلَم علَىٰ جهة التحذير منه، والنهْيِ عنه.

السابقالتالي
2