الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } * { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً } * { أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } * { وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } * { إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } * { لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً } * { وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَرْداً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً }

وقوله سبحانه: { لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } الآية، الإدُّ: الأَمرُ الشنِيعُ الصَّعْبُ.

* ت *: وقال العِرَاقِي: «إدّاً»، أَيْ: عَظِيماً، انتهى.

والانْفِطَارُ: الاِنْشِقَاقُ، والهَدُّ: الاِنْهِدَامُ، قال محمدُ بنُ كَعْبٍ: كاد أَعداءُ اللّه أَنْ يُقِيمُوا علينا السَّاعَةَ.

وقوله: { إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ... } الآية، إنْ نافيةٌ بمعنى مَا.

وقوله: { فَرْدَاً } يتضمنُ عَدَمَ النصير، والحَوْلِ والقُوّةِ، أيْ: لا مُجِير له مما يُريد اللّهُ به.

وعبارة الثَّعْلَبِيّ: «فرداً» أيْ: وحيداً بعمله، ليس معه من الدنيا شيءٌ. اهـ.

* ت *: وهذه الآيةُ تُنظر إلى قوله تعالىوَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ... } الآية [الأنعام:94].

وقوله تعالى: { سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } ذهب أكثرُ المفسرين إلى: أن هذا الوُدّ هو القبول الذي يضعه اللّهُ لمن يحب مِنْ عباده؛ حَسْبَما في الحديث الصَّحيح المأثور، وقال عُثْمان بن عَفّان - رضي اللّه عنه-: أَنها بمنزلة قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم " من أسَرَّ سَرِيرةً ألْبَسُهُ اللّهُ رِدَاءَها ". * ت *: والحديثُ المتقدِّمُ المُشَارُ إليه أَصلُهُ في «الموطإ» ولفظه: مالك، عن سُهَيْل بن أبي صالح السَّمان، عن أَبيه، عن أَبِي هريرَةَ؛ أَنَّ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم قال: " إذَا أَحَبَّ اللّهُ العَبْدَ قَالَ لِجِبْريلُ، يا جبريل قَدْ أَحْبَبْتُ فُلاَناً فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي في أَهْلِ السَّمَاءِ: إنَّ اللّهَ أَحَبَّ فُلاَناً، فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يَضَعُ لَهُ القَبُولَ فِي الأَرْضِ ". وَإذَا أَبْغَضَ الْعَبْدَ، قَالَ مالكٌ: لا أَحْسبُه إلاَّ قال في البُغْضِ مثلَ ذلك.

قال أَبُو عُمرَ بن عبد البرِّ في «التمهيد»، وممن رَوَى هذا الحدِيثَ عن سُهَيْل، بإسناده هذا فذكر البُغْضَ من غير شَكٍّ معمرُ وعبدُ العزيز بن المختار، وحماد بنُ سَلَمة، قالوا في آخره: وإذَا أَبْغَض بمثل ذلك، ولم يشكوا.

قال أَبو عُمَر: وقد قال المفسِّرُون في قوله تعالى: { سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً }: يُحِبُّهم ويُحبِّبُهم إلى الناس، وقاله مُجَاهِدٌ، وابنُ عباس، ثم أَسند أَبو عُمَرَ عن كْعبٍ أَنه قال: واللّهِ مَا اسْتَقَر لعبدٍ ثَنَاءٌ في أَهْل الدُّنْيَا حتى يَسْتَقِرَّ له في أَهْل السماء.

قال كعبٌ: وقرأتُ في التوراة أنه لم تكن مَحَبَّةٌ لأَحَدٍ من أَهْل الأَرْضِ إلاَّ كان بَدّأَها مِنَ اللّه عز وجل ينزلها عَلَىٰ أَهْل السماء، ثم ينزلها على أهْل الأرض، ثم قرأت القرآن، فوجدتُ فيهِ: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } وأَسْنَد أَبو عمر، عن قتادة قال: قال هَرِمَ بْنُ حَيَّان: ما أَقْبَلَ عبدٌ بقلبه إلى اللّهِ تعالى إلاَّ أَقبل اللّهُ بقلوب أَهْل الإيمان عليه حَتَّى يرزُقَه مودَّتَهُمْ ورحْمَتَهُمْ. انتهى.

قال ابنُ المُبَارَك في «رقائقه»:أَخبرنا سُلَيْمَان بُنِ المُغِيرة، عن ثابت قال: " قِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، مَنْ أَهْل الجَنَّة؟ قال: مَنْ لاَ يَمُوتُ حَتَّى يَمْلأَ اللّهُ سَمْعَهُ مِمَّا يُحِبُّ قال: فقيل: يا رسول اللّهِ، مَنْ أَهْلُ النَّارِ؟ قال: مَنْ لاَ يَمُوتُ حَتَّىٰ يَمْلأَ اللّهُ سَمْعَهُ مِمَّا يَكْرَهُ " انتهى.

قال * ع *: وفي حَدِيثِ أبي هريرة قال: قَالَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ عَبْدٍ إلاَّ وَلَهُ في السَّمَاء صِيتٌ، فَإنْ كَانَ حَسَناً، وُضِعَ فِي الأَرْضِ حَسَناً، وإنْ كَانَ سَيِّئاً وُضِعَ في الأَرْضِ سَيِّئاً ". * ت *: وهذا الحديثُ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ في كتاب «الزهد».