وقوله سبحانه: { فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ } أَيْ: لاَ تَسْتَبطِىءْ عَذَابهم. وقوله تعالى: { يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً }. قال * ع *: وظاهر هذه الوفادة أَنها بعد ٱنقضاءِ الحساب، وإنما هي النهوضُ إلَى الجنَّة، وكذلك سوقُ المجرمين إنما هو لدخُولِ النَّارِ. و { وَفْداً } قال المفسرون: معناه رُكْباناً، وهي عادةُ الوفود؛ لأَنهم سَرَاةُ الناسِ، وأَحسنهم شَكْلاً، وإنما شَبَّههم بالوفْدِ هيئة، وكرامة. وروي عن عَلِيِّ - رضي اللّه عنه - أَنهم يَجِيئُونَ رُكْباناً على النُّوقِ المحلاَّة بحِلْيةِ الجنَّة: خطمُها من يَاقُوتٍ، وزَبَرْجَدٍ، ونحو هذا. وروى عمرو بْنُ قيس المَلاَّئِي: أنهم يركبون على تماثيل مِنْ أَعمالهم الصَّالِحة، وهي في غَاية الحُسْن. وروي: أَنه يركب كُلُّ واحدٍ منهم ما أَحبَّ؛ فمنهم: مَنْ يركبُ الإبلَ، ومنهم: مَنْ يركب الخَيْلَ، ومنهم مَنْ يركب السُّفُنَ، فتجيء عَائِمةٌ بهم، وقد ورد في «الضَّحَايَا»: أَنها مَطَايَاكُمْ إلَى الجَنَّةِ؛ وأَكْثَر هذه فيها ضَعْفٌ مِنْ جهة الإِسْناد، والسَّوْقُ: يتضمن هَوَاناً، والورودُ: العطاش؛ قاله ابن عباس وأَبُو هريرة، والحَسَنُ. واختُلِفَ في الضَّمِير في قوله: { لاَّ يَمْلِكُونَ } فقالت فِرْقةٌ: هو عائد على { ٱلْمُجْرِمِينَ } أي: لا يملكون أَنْ يَشْفَعَ لهم؛ وعلى هذا فالاِسْتِثْنَاءُ مُنقَطِع، أيْ: لكن من اتخذ عند الرحمن عهداً يشفعُ له. والعهدُ عَلَى هذا الأَيْمان، وقال ابنُ عباسٍ: العهدُ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللّهُ، وفي الحدِيث: يقول اللّهُ تعالى يَوْمَ القِيَامة: " مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدِي عَهْدٌ، فَلْيَقُمْ ". قال * ع *: ويحتمل: أَنْ يكون المجرمون يعمُّ الكَفَرَةَ والعُصَاة، أيْ: إلاَّ من اتخذ عند الرحمن عَهْداً من عُصَاةِ المؤْمِنِينَ؛ فإنه يشفع لهم، ويكون الاِسْتِثْناء مُتَّصِلاً. وقالت فِرْقَةٌ: الضميرُ في { لاَّ يَمْلِكُونَ } للمتقين. وقوله: { إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ... } الآية أيْ: إلاَّ من كان له عملٌ صَالِحٌ مبرورٌ؛ [فيشفَعُ] فيُشَفَّع، وتحتملُ الآية أَنْ يُرادَ بـ «مَنْ» النبي صلى الله عليه وسلم وبالشَّفَاعَة الخاصَّة له العامة في أَهل الموقِفِ، ويكون الضميرُ في { لاَّ يَمْلِكُونَ } لجميع أَهْل الموقف؛ أَلا تَرَى أَنَّ سَائِرَ الأَنبياء يتدافعون الشفاعةَ إذْ ذَاكَ، حَتَّى تصيرَ إليه صلى الله عليه وسلم.