الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

وقوله: { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ } هذا ابتداء خبر من الله تعالى لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم بأَن بني إسْرَائِيلَ اختلفوا أَحزاباً، أيْ: فرقاً.

وقوله: { مِن بَيْنِهِمْ } بمعنى: من تلقَائِهم، ومن أَنْفسِهم ثار شرُّهم، وإنّ الاِخْتلاف لم يخرج عنهم؛ بل كانوا هم المختلفين.

وروي في هذا عن قتادةَ: أَنَّ بني إسْرَائِيلَ جمعوا من أَنفسهم أَربعة أحبار غاية في المَكَانةِ والجَلاَلة عندهم وطلبوهم أن يبيِّنُوا لهم أَمْرَ عِيسَىٰ فقال أَحَدُهم: عيسى هو اللّهُ؛ تعالى اللّه عن قولهم.

وقال له الثلاثة: كذبتَ، واتبعه اليعقوبيةُ، ثم قِيلَ للثلاثة؛ فقال أحدهم: عيسى ابنُ اللّه، [تعالى اللّه عن قولهم] فقال له الاِثنان: كذبت، واتبعه النُّسْطُورِيَّةُ، ثم قيل للاِثنين؛ فقال أَحدهما: عيسى أحد ثلاثةٍ: اللّه إله، ومريم إله، وعيسى إله؛ تعالى اللّه عن قولهم عُلوّاً كبيراً فقال له الرباعُ: كذبت، واتَّبَعَتْهُ الإِسْرَائِيلية, فقِيلَ للرابع؛ فقال: عيسى عبدُ اللّه، وكلمتُه أَلقاها إلى مريم، فاتّبعَ كلَّ واحد فريقٌ من بني إسْرَائِيل، ثم اقْتَتلُوا فغُلِبَ المؤمنون، وقُتِلوا، وظَهَرَت اليَعْقُوبيّة على الجميع.

و «الويل»: الحزنُ، والثُّبور، وقِيلَ: «الويل»: وَادٍ في جَهَنَّم، و { مَّشْهدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ }: هو يوم القيامة.

وقولُه سبحانه: { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ } أي: ما أَسْمَعَهم، وأبصرهم يوم يرجعُون إلَيْنا، ويرَوْن ما نصنع بهم، { لَـٰكِنِ ٱلظَّـٰلِمُونَ ٱلْيَوْمَ } أَيْ: في الدنيا في { ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } أَيْ بيِّنٍ، { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ } وهو يوم ذَبْحِ الموت؛ قاله الجمهورُ.

وفي هذا حَدِيثٌ صحيحٌ خرجه البُخَاريُّ وغيرُه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أَنَّ المَوْتَ يُجَاءُ بِهِ في صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُذْبَحُ عَلَى الصِّرَاطِ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، ويُنَادِى: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، خُلُودٌ لاَ مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ لاَ مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ: { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ... } [الآية].

قال * ع *: وعند ذلك تُصِيب أَهلَ النار حسرةٌ لا حَسْرة مثلها.

وقال ابنُ زيد، وغيره: يَوْمَ الحَسْرَةِ: هو يَوْمَ القِيَامَةِ.

قال * ع *: ويحتمل أَن يكونَ يوم الحسرة اسمُ جِنْسٍ شاملٌ لحسَرَاتٍ كَثِيرَةٍ؛ بحسب مواطن الآخرة: منها يومَ مَوْتِ الإنسان، وأَخْذِ الكتاب بالشِّمال، وغير ذلك، { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ } يريد: في الدنيا.