الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } * { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } * { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } * { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً }

وقوله: { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ... } الآية قرأ حمزة وغيره: «ائْتُوني» بمعنى «جيئوني»، وقرأ نافع وغيره: «آتوني» بمعنى «أعْطُوني»، وهذا كله إِنما هو استدعاءُ المناولة، وإِعمالُ القوَّة «والزُّبَر» جمع زُبْرة، وهي القطعة العظيمة منه، والمعنى: فرَصَفَه وبنَاه { حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ } ، وهما الجبلان، وقوله: { قَالَ ٱنفُخُواْ... } الآية إلى آخر الآية، معناه: أنه كان يأمر بوَضْع طاقة من الزُّبَر والحجارةِ، ثم يوقد عليها حَتَّى تحمَى ثم يؤتَى بالنُّحَاس المُذَاب أو بالرصاص أو بالحديد؛ بحسب الخلافِ في «القِطْر»، فيفرغه على تلك الطاقة المنضَّدة، فإِذا التأم واشتدَّ، استأنَفَ رَصْفَ طاقةٍ أخرى إلى أن استوَى العَمَلُ، وقال أكثر المفسِّرين: «القِطْر»: النُّحَاس المُذَابُ، ويؤيِّد هذا ما روي " أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه، إِنِّي رَأَيْتُ سَدَّ يُأْجُوجُ ومَأْجُوجَ، فَقَالَ: كَيْفَ رَأْيْتَهُ؟ قَالَ: رَأَيْتُهُ كَالبُرُدِ المُحَبَّر؛ طَريقَةٌ صَفْرَاءُ، وَطَرِيقَةٌ حَمْرَاءُ، وطَرِيقَةُ سَوْدَاءُ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم « قَدْ رَأَيْتَهُ» " و { يَظْهَرُوهُ } ومعناه: يعلونه بُصعُودٍ فيه؛ ومنه قوله في «الموطَّإ»، «والشَّمْسُ في حجرِتها قَبْل أَنْ تَظْهَرَ»، { وَمَا ٱسْتَطَـٰعُواْ لَهُ نَقْبًا } لبُعْد عَرْضه وقوَّته، ولا سبِيلَ سَوى هذين: إما ارتقاءٌ، وإِما نَقْب، وروي أن في طُولَه ما بَيْنَ طرفَيِ الجبلَيْنِ مِائَة فَرْسَخِ، وفي عَرْضه خمسينَ فرسخاً، وروي غير هذا مما لم نَقِفْ على صحَّته، فاختصرناه، إِذ لا غاية للتخرُّص؛ وقوله في الآية { ٱنفُخُواْ } يريد بالأَكْيَار.

وقوله: { هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي } الآية: القائل ذو القرنين، وأشار بــ { هَـٰذَا } إِلى الرَّدْمِ والقوةِ عليه، والانتفاعِ به، والوعدُ يحتملُ أنْ يريد به يوم القيامة، ويحتمل أن يريد به وقْتَ خروجِ يأجُوجَ ومأجوج، وقرأ نافع وغيره: «دَكًّا» مصدر «دَكَّ يَدُكُ»، إِذا هدم ورض، ونَاقةٌ دَكَّاء لا سَنَام لها، والضمير في { تَرَكْنَا } للَّه عزَّ وجلَّ.

وقوله: { يَوْمَئِذٍ } يحتمل أنْ يريد به يوم القيامة، ويحتمل أنْ يريد به يَوْمَ كمالِ السَّدِّ، والضميرُ في قوله: { بَعْضَهُمْ } على هذا ليأجوجَ ومأجُوجَ، واستعارة المَوْج لهم عبارةٌ عن الحَيْرة، وتردُّدِ بعضهم في بَعْضٍ، كالمُوَلَّهينَ مِنْ هَمٍّ وخوفٍ ونحوه، فشبَّههم بموجِ البَحْر الذي يضطرب بعضُه في بعض.

وقوله: { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ... } إلى آخر الآية: يعني به يومَ القيامة بلا احتمالٍ لغيره، و { ٱلصُّورِ } في قول الجمهور وظاهر الأحاديثِ الصِّحَاحِ: هو القَرْنُ الذي يَنْفُخُ فيه إِسرافيلُ للقيامة.