الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } * { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } * { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً }

وقوله سبحانه: { فَلَعَلَّكَ بَـٰخِعٌ نَّفْسَكَ } هذه آية تسلية للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، والباخِعُ نَفْسَه هو مهلكها.

قال * ص *: «لعلَّ» للترجِّي في المحبوب، وللإِشفاق في المحذور، وهي هنا للإِشفاق. انتهى.

وقوله: { عَلَىٰ آثَـٰرِهِمْ }: استعارة فصيحةٌ من حيثُ لهم إِدبارٌ وتباعُدٌ عن الإِيمان؛ فكأنهم من فرط إِدبارهم قَدْ بَعُدُوا، فهو في آثارهم يحزَنُ عليهم.

وقوله: { بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } ، أي: بالقرآن، «والأسف» المبالغة في حزنٍ أو غضبٍ، وهو في هذا الموضع الحزنُ؛ لأنه على مَنْ لا يملك، ولا هو تحت يدِ الآسِفِ، ولو كان الأَسَفُ من مقتدرٍ على من هو في قبضته ومِلْكه، لكان غضباً، كقوله تعالى:فَلَمَّا آسَفُونَا } [الزخرف:55] أي: أغضبونا. قال قتادة: { أَسَفاً }: حُزْناً.

وقوله سبحانه: { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا... } الآية: بسط في التسلية، أي: لا تهتمَّ بالدنيا وأهلها، فإن أمرها وأمرهم أقلُّ؛ لفناء ذلك وذهابه، فإِنا إِنما جعلنا ما على الأرض زينةً وامتحاناً واختباراً، وفي معنى هذه الآية قوله صلى الله عليه وسلم: " الدُّنْيَا حُلْوَةُ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالى مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيا وٱتّقُوا النِّسَاءَ " { لِنَبْلُوَهُمْ } أي: لنختبرهم، وفي هذا وعيدٌ مَّا.

قال سفيانُ الثَّوْريُّ: أحسنهم عملاً: أزهدهم فيها، وقال أبو عاصم العَسْقَلاَنِيُّ: { أَحْسَنُ عَمَلاً }. الترك لها.

قال * ع *: وكان أبي رحمه اللَّه يقولُ: أحسن العَمَلِ: أخْذٌ بحقٍّ، وإِنفاقٌ في حقٍّ، وأداء الفرائض، وٱجتناب المحارِمِ، والإِكثار من المندوب إِليه.

وقوله سبحانه: { وَإِنَا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً } أي: يرجع ذلك كُّله تراباً، «والجُرُز»: الأرض التي لا شيء فيها مِنْ عمارةٍ وزينةٍ، فهي البَلْقَعُ، وهذه حالة الأرض العَامِرَةِ لا بُدَّ لها من هذا في الدنيا جزءاً جزءاً من الأرض، ثم يعمُّها ذلك بأجمعها عند القيامة، و«الصعيدُ» وجْه الأرض، وقيل: «الصَّعيد»: التراب خاصَّة.