الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً } * { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَٰهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } * { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً } * { قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً } * { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } * { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } * { قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } * { قَالَ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } * { قَالَ فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } * { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } * { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً } * { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً }

وقوله سبحانه: { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا } الضمير في { بَيْنِهِمَا }: للبحرين، قاله مجاهد، وفي الحديث الصحيح: " ثُمَّ انْطَلَقَ، وانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، حَتَّى أَتيَا الصَّخْرَةَ وَضَعَا رُؤُوَسَهُما، فَنَامَا، واضْطَربَ الحُوتُ في المكتلِ، فَخَرجَ مِنْهُ فَسَقَط في البَحْرِ، واتَّخَذَ سَبِيلَهُ في البَحْرِ سَرَباً، أي: مسلكاً في جوفِ الماءِ، وأمْسَكَ اللَّهُ عَنِ الحُوتِ جَرْيَةَ المَاءِ، فَصَارَ عَلَيْهِ مِثْلُ الطَّاقِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ، نَسِيَ صَاحِبُهُ أَنْ يُخبَرَهُ بالحُوتِ، فانْطَلَقَا بَقَّيِة يَوْمِهَما، ولَيْلَتِهِما حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الغَدِ قال موسى لفتاه: { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } ويعني بـ «النصب» تعب الطريق، قال: ولم يجدْ موسى النَّصَبَ حتَّى جاوَزَ المَكَان الذي أمره اللَّه به، قال له فتاه: { أَرَءَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ } ، يريد: ذكر ما جرى فيه، { وَمَا أَنسَانِيهُ } ، أي أن أذكره { إِلاَّ ٱلشَّيْطَـٰنُ } ، و { ٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَبًا } قال: فكان للحوتِ سَرَباً ولموسى وفتاه عَجَباً، فقال موسَى: { ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا } ، قال: فرجعا يَقُصَّان آثارهما حَتَّى انتهيا إلى الصخرة، فإِذا رجُلٌ مُسَجَّى بثوبٍ، فسَلَّم عليه موسى، فقال الخَضِرُ: وأَنَّى بأرضِكَ السَّلاَمَ قال: أَنَا مُوسَى، قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسُرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعْم، أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَني ممَّا عُلِّمْتَ رُشْداً، { قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } يعني: لا تطيق أن تصبر على ما تراه من عملي لأن الظواهر التي هي عِلْمُكَ لا تعطيه، وكيف تُصْبِرُ على ما تراه خطأً، ولم تُخْبَرْ بوجه الحكمة فيه؟ يا موسى، إني على علْمٍ من علْمِ اللَّه، علَّمنيه لا تَعْلَمُه، يريد: علْم الباطنِ، وأنْتَ على علْمٍ من علمِ اللَّه علَّمكه اللَّه، لا أعلمه، يريد: علْمَ الظاهرِ، فقال له موسى: { سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ ٱللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } ، فقال له الخضر: { فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْنِي عَن شَيءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } ، أي: حتى أشرح لك ما ينبغي شرْحُه، فانطلقا يمشيَانِ على ساحل البَحْرِ، فمرت بهم سفينةٌ، فكلَّموهم أنْ يحملوهم، فعرفوا الخَضِرَ، فحملوهم بغَيْر نَوْلٍ، يقول: بغير أجْر، فلما ركبا في السفينة، لم يُفْجَأْ موسى إِلاَّ والخَضِرُ قد قلع لَوْحاً من ألواح السفينة بالقَدُومِ، فقال له موسى؛ قومٌ حملونا بغير نَوْلٍ، عَمِدْتَّ إلى سفينتهم، فخرقْتَها لتغرق أهلها، { لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا } ، أي شنيعاً من الأمور، وقال مجاهد: الإِمْرُ المُنْكَر، { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً } قال أَبَيُّ بْنُ كعب، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: « فكانَتِ الأُولى مِنْ مُوسَى نِسْيَاناً، قال: وَجَاءَ عُصْفُورٌ، فَوَقَعَ على حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَنَقَرَ في البَحْرِ نُقْرَةً، فَقَالَ لَهُ الخَضِرُ: ما عِلْمِي وعلْمُكَ مِنْ عِلْم اللَّهِ إِلاَّ مِثْلُ مَا نَقَصَ هَذَا العُصْفُورُ مِنْ هَذَا البَحْرِ»، وفي رواية: « واللَّهِ، مَا عِلْمِي وعِلْمُكَ في جَنْبِ عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ كما أَخَذَ هَذَا الطَّائِرُ بِمنْقَارِهِ من البَحْر »، وفي رواية:« مَا عِلْمي وعِلْمُكَ وعِلْمُ الخَلاَئِقِ في عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ مِقْدَارُ مَا غَمَسَ هذا العُصْفُورُ منقاره ».

السابقالتالي
2