الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَٰهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً }

وقوله سبحانه: { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَـٰهُ لا أَبْرَحُ... } الآية: { مُوسَىٰ } هو ابنُ عمرانَ، وفتاه هو يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وفي الحديث الصحيح عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أن موسى عليه السلام جَلَسَ يَوْماً في مَجْلِسٍ لَبني إِسْرَائيلَ، وخَطَبَ، فأَبْلَغَ، فَقِيلَ لَهُ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ: لاَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ، فَقَالَ: يَا رَبِّ، دُلَّنِي عَلَى السَّبِيلِ إِلى لقيه، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَسِيرَ بطُوِلِ سَيْفِ البَحْرِ، حَتَّى يَبْلُغَ مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ، فَإِذَا فَقَدَ الحُوتَ، فإِنَّهُ هُنَالِكَ، وأُمِرَ أَنْ يَتَزَوَّدَ حُوتاً، وَيَرْتَقِبَ زَوَالَهُ عَنْهُ، فَفَعَلَ مُوسى ذَلِكَ، وَقَالَ لِفَتَاهُ على جِهَةِ إِمْضَاءِ العَزِيمَةِ: لاَ أَبْرَحُ أَسِيرُ، أي: لاَ أَزَالُ، وإِنما قال هذه المقالَةَ، وهو سائرٌ، قال السُّهَيْليُّ: كان موسى عليه السلام أعلَمَ بعلْمِ الظاهر، وكان الخَضِرُ أعلم بعلْم الباطنِ، وأسرارِ المَلَكُوتِ، فكانا بَحْرَيْن ٱجتمعاً بمجْمَعِ البَحْرَيْن، والخضرُ شَرِبَ من عَيْن الحَيَاةِ، فَهوَ حَيٌّ إِلى أن يخرج الدَّجَّال، وأنَّه الرجُلُ الذي يقتله الدَّجَّال، وقال البخاريُّ وطائفة من أهْل الحديث، منهم شيخُنا أبو بَكْرِ بْنُ العَرَبيِّ رحمه اللَّه: مات الخَضِرُ قبل انقضاء المِائَةِ من قوله صلى الله عليه وسلم: " أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِه، فإِنَّ إِلى رَأْسِ مِائَةِ عَامٍ مِنْهَا لا يَبْقَى عَلَى الأَرْضِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهَا أَحَدُ " يعني من كان حيًّا حين قال هذه المقالَةَ، وأما اجتماع الخِضَرِ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم وتعزيته لأهْل بيته، فمرويٌّ من طرقٍ صِحَاحٍ، وصحَّ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: " إِنَّمَا سُمِّيَ الخَضِرَ؛ لأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ، فاهْتَزَّتْ تَحْتَهُ خضراء ". قال الخطابي: الفروة وجه الأرض، ثم أنشد على ذلك شاهداً انتهى.

واختلف الناس في «مَجْمَعِ البَحْرَيْنِ»، فقال مجاهد وقتادة هو مَجْمَعُ بَحْر فارس وبَحْر الروم، وقالت فرقة { مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ }: هو عند طَنْجَة، وقيل غير هذا، واختلف في «الحُقُب»، فقال ابن عباس وغيره: الحُقُب: أزمانٌ غير محدودة، وقال عبد اللَّه بن عمرو ثمانون سنة، وقال مجاهد: سبعون، وقيل: سنةٌ.