الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } * { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } * { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً }

وقوله سبحانه: { مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ... } الآية: الضمير في { أَشْهَدتُّهُمْ } عائدٌ على الكُفَّار، وعلى النَّاس بالجملة فتتضمَّن الآية الرَّدَّ على طوائف من المنجِّمِين وأهْل الطبائعِ والمتحكِّمين من الأطبَّاء، وسواهم مِنْ كل من يتخرَّص في هذه الأشياء، وقيل: عائدٌ على ذرية إِبليس، فالآية على هذا تتضمَّن تحقيرَهُم، والقولُ الأول أعظم فائدةً، وأقول: إنَّ الغرض أولاً بالآية هُمْ إِبليس وذريته، وبهذا الوجْه يتَّجه الردُّ على الطوائف المذكورة، وعلى الكُهَّان والعربِ المصدِّقين لهم، والمعظِّمين للجنِّ، حين يقولون: أعُوذُ بِعَزِيز هذا الوَادِي، إِذ الجميع من هذه الفِرَقِ متعلِّقون بإِبليس وذريته، وهم أضلُّ الجميع، فهم المرادُ الأول بـــ { ٱلْمُضِلِّينَ } ، وتندرج هذه الطوائفُ في معناهم، وقرأ الجمهور: «ومَا كُنْتُ»، وقرأ أبو جعفر والجحْدَرِيُّ والحسن، بخلافٍ «وَمَا كُنْت»، «والعَضُد»: استعارة للمعين والمؤازر، { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَاءِيَ } أي: على جهة الاستغاثة بهم، واختلف في قوله: { مَّوْبِقاً } ، فقال ابن عباس: معناه مهلكاً، وقال عبد اللَّه بن عمر وأنس بن مالك ومجاهد: { مَّوْبِقاً } هو وادٍ في جهنَّم يجري بدَمٍ وصديدٍ. قال أنس: يحجز بين أهل النار وبَيْن المؤمنين.

وقوله سبحانه: { فَظَنُّواْ أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا } ، أي: مباشروها، وأطلق الناس أنَّ الظنَّ هنا بمعنى اليقين.

قال * ع *: والعبارة بالظَّنِّ لا تجيء أبداً في موضع يقينٍ تامِّ قد قَالَهُ الحَسَن بل أعظم درجاته أن يجيء، في موضع متحقِّق، لكنه لم يقع ذلك المظْنُونُ، والاَّ فمذْ يقع ويُحَسُّ لا يكادُ توجَدُ في كلامِ العربِ العبارةُ عنه بالظَّنِّ، وتأمَّل هذه الآية، وتأمَّل كلام العرب، وروى أبو سعيد الخدريُّ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ الكَافِرَ لَيَرى جَهَنَّمَ، ويَظُنُّ أَنَّهَا مُوَاقِعَتُهُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً " و«المَصْرِف»: المَعْدِل والمَرَاغ، وهو مأخوذ من الانصرافِ من شيء إِلى شيء.