الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً } * { وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً } * { فعسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً } * { أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً }

وقوله: { لَٰكِنَّا هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي } معناه: لكن أنا أقول هو اللَّه ربِّي، وروى هارون عن أبي عمرو «لَكِنَّهُ هُوَ اللَّهُ رُبِّي»، وباقي الآية بيِّن.

وقوله: { وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ... } الآية: وصيَّةٌ من المؤمن للكافر، { وَلَوْلاَ }: تحضيض بمعنى «هلا»، و { مَا } تحتمل أن تكون بمعنى «الذي» بتقدير: الذي شاء الله كائنٌ، وفي { شَاءَ } ضميرٌ عائد على «ما»، ويحتمل أن تكون شرطيةً بتقدير: ما شَاءَ اللَّهُ كَانَ، أو خبرَ مبتدأ محذوفٍ، تقديره: هو ما شاء اللَّهُ، أو الأمر ما شاء اللَّه.

وقوله: { لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ }: تسليمٌ، وضدٌّ لقول الكافِرِ:مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً } [الكهف:35]، وفي الحديثِ: " إِنَّ هَذِهِ الكَلِمَةَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ، إِذَا قَالَهَا العَبْدُ، قَالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: «أَسْلَمَ عَبْدِيَ وٱسْتَسْلَمَ " قال النوويُّ: ورُوِّينا في «سنن أبي داود والترمذيِّ والنسائي» وغيرهما، عن أنس قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قَالَ يَعْنِي - إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتهِ - باسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ، يُقَالُ لَهُ: هُدِيتَ، وَكُفِيت، وَوُقِيتَ، وتَنَحَّى عَنْكَ الشِّيْطان " قال الترمذيُّ: حديث حسن، زاد أبو داود في روايته: " فَيَقُولُ: - يَعْني الشِّيْطَانَ لِشَيْطَانٍ آخَرَ - كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِي " انتهى. وروى الترمذيُّ عن أبي هريرة، قال: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أكْثِرْ مِنْ قَوْلَ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ؛ فإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ " انتهى.

قال المحاسبيُّ في «رعايته»: وإِذا عزم العْبدُ في القيامِ بجميعِ حقوق اللَّه سبحانَهُ، فليرغَبْ إِليه في المَعُونَةِ مِنْ عِنْدِه على أداء حقوقه، ورعايتها، وناجاه بقَلْب راغِبٍ راهبٍ؛ أني أَنْسَى إِن لم تذكِّرني، وأعْجِزُ إنْ لم تُقَوِّني، وأجْزَعُ إِنْ لم تصِّبرني، وعَزَم وتوكَّل، وٱستغاثَ وٱستَعَان، وتبرَّأ من الحَوْل والقوَّة إِلا بربِّه، وقطع رجاءه مِنْ نفسه، ووَجَّه رجاءه كلَّه إِلى خالقه، فإِنه سيجدُ اللَّه عزَّ وجلَّ قريباً مجيباً متفضِّلاً متحِّنناً. انتهى.

قال ابنُ العربيِّ في «أحكامه» قال مالكٌ: ينبغي لكلِّ مَنْ دَخَل منزله أنْ يقول كما قال اللَّه تعالى: { مَا شَاءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } انتهى.

وقوله: { فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ } هذا الترجِّي بـــ«عَسَى» يحتملُ أن يريد به في الدنيا، ويحتمل أن يريد به في الآخِرَةِ، وتمنِّي ذلك في الآخرة أشرَفُ وأذهَبُ مع الخير والصلاح، وأنْ يكونَ ذلك يرادُ به الدنيا - أذْهَبُ في نِكَاية هذا المخاطَب، و«الحُسْبان» العذاب؛ كالبردِ والصِّرِّ ونحوه، و «الصَّعيد» وجه الأرض، «والزَّلَق»: الذي لا تثبت فيه قَدَم، يعني: تذهب منافعها حتى منفعةُ المشْيِ فهي وَحَلٌ لا تثبُتُ فيه قَدَمٌ.