الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً } * { هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } * { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً }

وقوله سبحانه: { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ }: عبارة عن شدَّةِ عزمٍ، وقوةِ صبرٍ، ولما كان الفَزَعُ وخَوَرُ النفس يشبه بالتناسُب الانحلالَ، حَسُنَ في شدَّة النفْس، وقوَّة التصميمِ أنْ يُشْبِه الربْطُ، ومِنْه يقالُ: فلانٌ رَابِطُ الجأشَ؛ إِذا كان لا تَفْرَقُ نفسه عند الفَزَعَ والحروبِ وغيرها، ومنْه الربْطُ على قَلْب أمِّ موسى.

وقوله تعالى: { إِذَ قَامُواْ } يحتمل أنْ يكون وصف قيامهم بين يَدَيِ الملك الكافِرِ، فإِنَّه مَقَامٌ يحتاج إلى الربْطِ على القَلْب، ويحتمل أن يعبر بالقيام على انبعاثهم بالعَزْمِ على الهُرُوب إلى اللَّه ومنابذة النَّاس؛ كما تقول: قَامَ فُلاَنٌ إِلى أمْرِ كذا؛ إذا اعتزم عليه بغايةِ الجِدِّ، وبهذه الألفاظ التي هي: { قَامُواْ فَقَالُواْ } ، تعلَّقتِ الصوفيَّة في القيامِ والقَوْل، «والشَّطَط»: الجَوْر وتعدِّي الحدِّ والحقِّ بِحَسَبِ أَمْرٍ أَمْرٍ و«السلطان»: الحجة، وقال قتادة: المعنى بعذرٍ بيِّن، ثم عظموا جرم الداعين مع اللَّه غيره، وظُلُمَهم بقولهم: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا } ، وقولهم: { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ... } الآية: المعنى قال بعضهم لبعضٍ، وبهذا يترجَّح أن قوله تعالى: { إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ } إنما المراد به إِذ عزموا ونَفَذُوا لأمْرهم، وفي مصحف ابن مسعود: «ومَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ»، ومضمَّن هذه الآية الكريمة أن بعضهم قال لبعض: إِذ قد فارَقْنَا الكفَّار، وانفردْنا باللَّه تعالى، فلنجعل الكَهْفَ مأوًى، ونَّتكل على اللَّهِ تعالى، فإنه سيبسُطُ علينا رحمته، وينشرها علينا ويهيِّىءُ لنا من أمرنا مرفقاً، وهذا كله دعاءٌ بحَسَب الدنيا، وهم على ثِقَة من اللَّه في أمر آخرتهم، وقرأ نافع وغيره: «مَرْفِقاً» بفتح الميم وكسر الفاء، وقرأ حمزة وغيره بكسر الميم وفتح الفاء، ويقالان معاً في الأمر، وفي الجارحة، حكاه الزَّجَّاج.