الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً } * { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } * { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } * { قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً } * { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } * { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً }

وقوله سبحانه: { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ } هذه الآيةُ إِخبار للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه محفوظٌ من الكَفَرة آمِنٌ، أي: فَلْتُبْلِّغْ رسالةَ ربِّك، ولا تتهَّيب أحداً من المخلوقين؛ قاله الطبريُّ؛ ونحوه للحَسَن والسُّدِّيِّ.

وقوله سبحانه: { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَـٰكَ... } الآية: الجمهورُ أنَّ هذه الرؤيا رْؤَيا عينٍ ويقظةٍ، وذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما كان صَبِيحَةَ الإِسراء، وأخبر بما رأى في تلك الليلة من العجائب، قال الكفَّار: إِن هذا لعجب، وٱستبعدوا ذلك؛ فٱفْتُتِنَ بهذا قومٌ من ضَعَفَةِ المسلمين؛ فٱرتدُّوا؛ وشقَّ ذلك على النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فنزلَتْ هذه الآية؛ فعلى هذا يحسُنْ أنْ يكون معنى قوله: { أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ } في إِضلالهم وهدايتهم، أي: فلا تهتمَّ، يا محمَّد، بكُفْر من كفر، وقال ابن عباس: الرؤيا في هذه الآية هي رؤيا النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه يدخُلُ مكَّة، فعجَّل في سنة الحُدَيْبِيَة، فَصُدَّ فٱفَتُتِنَ المسلمون لذلك، يعني بعَضهم، وليس بفتْنَة كُفْر.

وقوله: { وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ } معطوفة على قوله: { ٱلرُّءْيَا } ، أي جعلنا الرؤيا والشَّجرةَ فتنةً { وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ }؛ في قول الجمهورِ: هي شجرةٌ الزَّقُّوم، وذلك أن أمرها لما نَزَلَ في سورة «والصَّافَّات» قال أبو جَهْل وغيره: هذا محمَّد يتوعَّدكم بنَارٍ تَحْرِقُ الحِجَارة، ثم يزعُمُ أنها تُنْبِتُ الشجَرَ، والنار تأكلُ الشجَر، وما نعرفُ الزَّقُّوم إِلا التمر بالزُّبْد، ثم أحضر تمراً وزُبْداً، وقال لأصحابه، تَزقَّمُوا، فٱفتُتِنَ أيضاً بهذه المقالةِ بعْضُ الضعفاء، قال الطبري عن ابن عباس: أن الشجرة الملعونَةَ، يرُيد المعلونَ أُكُلُهَا؛ لأنها لم يَجْرِ لها ذكر.

قال * ع * ويصحُّ أَن يريد الملعونَةِ هنا، فأكَّد الأمر بقوله: { فِي ٱلقُرْآنِ } ، وقالت فرقة: { ٱلْمَلْعُونَةَ } ، أي: المُبْعَدَة المكْروهة، وهذا قريب في المعنى من الذي قبله، ولا شك أن ما ينبت في أصْل الجحيمِ هو في نهاية البُعْدِ من رحمة الله سبحانه.

وقوله سبحانه: { وَنُخَوِّفُهُمْ } يريد كفَّار مكَّة.

وقوله: { أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ } الكافُ في «أَرَأَيْتَكَ» هي كافُ خطابٍ ومبالغةٍ في التنبّه، لا موضعَ لها من الإِعراب، فهي زائدةٌ، ومعنى «أَرأَيْتَ»: أتأملت ونحوه، كأنَّ المخاطِبَ بها ينبِّه المخاطَبَ ليستَجْمِعَ لما ينصُّه بعْدُ.

وقوله: { لأَحْتَنِكَنَّ } معناه لأُمِيلَنَّ ولأَجُرَّنَّ، وهو مأخوذ من تَحْنِيكِ الدابَّة، وهو أن يشدَّ على حَنَكِها بحَبْل أو غيره، فتقاد، والسَّنةُ تَحْتَنِكُ المالَ، أي: تجتره، وقال الطبري «لأحتنكَنَّ» معناه لأستأصلنَّ، وعن ابن عباس: لأستولين، وقال ابن زيد: لأُضِلَّنَّ.

قال * ع * وهذا بدلُ اللفظ، لا تفسير.

وقوله: { ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } ، وما بعده من الأوامر: هي صيغةُ «افْعَلْ» بمعنى التهديد، كقوله تعالى:ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } [فصلت:40] «الموفور»، المُكْمَل، { وَٱسْتَفْزِزْ } معناه: ٱستخِفَّ وٱخدَعْ، وقوله: { بِصَوْتِكَ }: قيل: هو الغِنَاء والمزامير والمَلاَهي، لأنها أصواتٌ كلُّها مختصة بالمعاصي، فهي مضافةٌ إِلى الشيطانِ، قاله مجاهد، وقيل: بدعائك إِياهم إِلى طاعتك.

السابقالتالي
2