الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } * { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } * { هُوَ ٱلَّذِي أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَآءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } * { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

وقوله سبحانه: { وَٱلأَنْعَـٰمَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ }: الـ { دِفْء }: السَّخَانة، وذَهَاب البَرْد بالأَكْسِيَة ونحوها، وقيل: الـــ { دِفْءٌ }: تناسُلُ الإِبل، وقال ابن عَبَّاس: هو نسْلُ كلِّ شيء، والمعنى الأول هو الصحيحُ، والــ { مَنَـٰفِعُ }: ألبانها وما تصرَّف منها، وحَرْثُها والنَّضْح عليها وغَيْر ذلك.

وقوله: { جَمَالٌ } ، أي: في المَنْظَر، و { تُرِيحُونَ }: معناه: حين تردُّونها وقْتَ الرَّوِاح إِلى المنازلِ، و { تَسْرَحُونَ }: معناه: تخرجُونها غُدْوة إِلى السَّرْح، و«الأثْقَالُ»: الأمتعة، وقيل: الأجسام؛ كقوله:وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } [الزلزلة:2] أي: أجسادَ بني آدم، وسمِّيت الخيلُ خيلاً؛ لاختيالها في مِشْيتها.

* ت *: ويجبُ على من ملكه اللَّه شيئاً من هذا الحيوانِ أنْ يَرْفُقَ به، ويشْكُر اللَّه تعالى على هذه النعمة التي خَوَّلها، وقد رَوَى مالك في «الموطَّأ» عن أبي عُبَيْدٍ مولى سليمانَ بْنِ عبدِ المَلِكِ، عن خالدِ بْنِ مَعْدَانَ يرفعه، قال: " إِن اللَّه رفيقٌ يحبُّ الرِّفْق، ويرضَاهُ، ويعينُ عليه ما لاَ يُعِينُ على العُنْف، فإِذا ركبتم هذه الدوابَّ العُجْمَ، فأنزلوها منازِلَهَا، فإِنْ كانَتِ الأرض جَدْبةً، فانجوا عليها بِنِقْيِهَا، وَعَلَيْكُمْ بسير اللَّيْلِ؛ فَإِن الأرض تُطْوَى باللَّيْلِ ما لا تُطْوَى بالنهار، وإِياكم والتَّعْرِيسَ على الطريقِ؛ فإِنها طُرُق الدَّوابِّ، ومأوى الحَيَّات ". قال أبو عمر في «التمهيد»: هذا الحديث يستندُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من وجوهٍ كثيرةٍ، فأمَّا «الرفْقُ»، فمحمودٌ في كلِّ شيء، وما كان الرفْقُ في شيء إِلاّ زانه، وقد رَوَى مالك بسنده عن عائشة، وعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ " ، وأُمِرَ المسافرُ في الخِصْبِ بأنْ يمشي رويداً، ويكثر النزول، لترعَى دابته، فأَما الأرْضُ الجَدْبة، فالسُّنَّة للمسافِرِ أَنْ يُسْرُع السيْر؛ ليخرجَ عنها، وبدابَّته شيءٌ من الشَّحْم والقُوَّة، و«النِّقْي» في كلام العرب: الشَّحْم والوَدَك. انتهى.

وروَى أبو داود عن أبي هُرَيْرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: " إِيَّاكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوَابِّكُمْ مَنَابِرَ، فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُبَلِّغَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بِالغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ، وَجَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فَعَلَيْهَا فَٱقْضُوا حَاجَاتِكِمْ " انتهى.

وقوله سبحانه: { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }: عبرةٌ منصوبةٌ على العمومِ، أي: إِنَّ مخلوقاتِ اللَّهِ مِنَ الحيوانِ وغيره لا يُحيطُ بعلْمها بَشَرٌ، بل ما يخفَى عنه أكْثَرُ مما يعلمه.

وقوله سبحانه: { وَعَلَى ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ... } الآية: هذه أيضاً من أجَلِّ نعم اللَّه تعالى، أي: على اللَّه تقويمُ طريقِ الهدَى، وتبيينُهُ بنَصْب الأدلَّة، وبعْثِ الرسل، وإِلى هذا ذهب المتأوِّلون، ويحتمل أنْ يكون المعنى: أَنَّ مَنْ سلك السبيلَ القاصِد، فعلى اللَّه، ورحمته وتنعيمُهُ طريقُهُ، وإِلى ذلك مصيره، و«طريقٌ قَاصِد»: معناه: بيِّنٌ مستقيمٌ قريبٌ، والألف واللام في { ٱلسَّبِيلِ } ، للعهد، وهي سبيلُ الشرْعِ.

وقوله: { وَمِنْهَا جَائِرٌ }: يريد طريقَ اليهودِ والنصارَى وغيرِهِم، فالضمير في { مِنْهَا } يعود على السُّبُلُ التي يتضمَّنها معنى الآية.

وقوله سبحانه: { فِيهِ تُسِيمُونَ }: يقال: أَسَامَ الرَّجُلُ مَاشِيَتَهُ؛ إِذا أرسلها ترعَى.