الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } * { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } * { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }

وقوله سبحانه: { وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ } إِخبار يُرَادُ به العِبْرة وإِنما هي قاعدةٌ بني المثل عليها، والمَثَل هو أن المفضَّلين لا يصحُّ منهم أن يساهموا مماليكهم فيما أُعْطُوا؛ حتى تستوي أحوالُهم، فإِذا كان هذا في البَشَر، فكيف تنسبون أيها الكَفَرةُ إلى اللَّه؛ أنَّه يسمح بأنْ يشرك في الألوهيَّة الأوثانَ والأصْنَامَ وغيرها ممَّا عُبدَ مِنْ دونه، وهم خَلْقُه ومِلْكُه، هذا تأويلُ الطبريِّ، وحكاه عن ابن عباس قال المفسِّرون: هذه الآية كقوله تعالى:ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُم هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَـٰكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ... } الآية [الروم:28] ثم وقفهم سبحانه على جَحْدهم بنعمته في تنبيهه لهم على مِثْلِ هذا مِنْ مواضِع النظرِ المؤدِّية إلى الإِيمان.

وقوله سبحانهُ: { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } هذه أيضاً آيةُ تعديدِ نِعَم، «والأزواجُ»؛ هنا: الزوجاتُ، وقوله: { مِّنْ أَنفُسِكُمْ }: يحتملُ أن يريد خِلْقَةَ حوَّاء من نَفْس آدم، وهذا قول قتادة والأَظهَرُ عندي أنْ يريد بقوله { مِّنْ أَنفُسِكُمْ } ، أي: مِنْ نوعكم كقوله:لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [التوبة:128] والـ { حَفَدَةً }: قال ابن عباس: هم أولاد البنين وقال الحسن: هم بَنُوكَ وبَنُوَ بَنِيكَ،وقال مجاهد: الـــ { حَفَدَةً } الأنصار والأَعْوان وقيل غير هذا، ولا خلاف أنَّ معنى «الحفْدَ» الخِدْمَةِ والبِرُّ والمشْيُ مسرعاً في الطاعة؛ ومنه في القنوت: «وإِلَيْكَ نَسْعَى ونحْفِدُ»، والحَفَدَانُ أيضاً: خَبَبٌ فوق المَشْي.

وقوله سبحانه: { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ... } الآية: أي: لا تمثّلوا للَّه الأمثَال، وهو مأخوذٌ من قولك: هذا ضَرِيبُ هَذَا، أي: مثيله، والضَّرْب: النَّوْع.