الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } * { بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } * { أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } * { أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ } * { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }

وقوله سبحانه: { وَٱلَّذِينَ هَـاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ }: هؤلاء هُمُ الذين هاجروا إِلى أرض الحبشةِ، هذا قول الجمهورِ، وهو الصحيحُ في سبب نزولِ الآية؛ لأن هجرة المدينة لم تكُنْ وقْتَ نزول الآيةِ، والآيةُ تتناوَلُ كلَّ مَنْ هاجر أَولاً وآخراً، وقرأ جماعة خارجَ السبْعِ: «لَنُثْوِيَنَّهُمْ»، واختلف في معنى الـــ { حَسَنَةً } هنا، فقالتْ فرقة: الحسنةُ عِدَةٌ بَبُقْعةٍ شريفةٍ، وهي المدينةُ، وذهبَتْ فرقةٌ إِلى أن الحسنة عامَّة في كلِّ أمْرٍ مستحسَنٍ يناله ابنُ آدم، وفي هذا القولِ يدخُلُ ما رُوِيَ عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: أنه كَانَ يُعْطِي المَالَ وَقْتَ القِسْمَة الرَّجُلَ مِنَ المُهَاجِرِينَ، ويقُولُ له: خُذْ ما وَعَدَكَ اللَّهُ في الدنيا، وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أكْبَرُ، ثم يتلو هذه الآية، ويدخل في هذا القولِ النَّصْرُ على العدوِّ، وفتْحُ البلادِ، وكلُّ أَمَلٍ بلغه المهاجرون، والضمير في { يَعْلَمُونَ } عائدٌ على كفار قريشٍ.

وقوله: { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ }: من صفة المهاجرين.

وقوله تعالى: { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ }: هذه الآيةُ ردٌّ على كفَّار قريش الذين ٱستبْعدُوا أنْ يبعث اللَّه بشراً رسولاً، ثم قال تعالَى: { فَٱسْئَلُواْ } ، أي: قلْ لهم: { فَٱسْئَلُواْ } ، و { أَهْلَ ٱلذِّكْرِ }؛ هنا: أحبارِ اليهودِ والنصارَى؛ قاله ابن عباس وغيره، وهو أظهر الأقوال، وهم في هذه النازِلَةِ خاصَّة إِنما يخبرون بأنَّ الرسُلَ من البَشَر، وأخبارُهم حجَّة على هؤلاء، وقدْ أرسلَتْ قريشٌ إِلى يهودِ يَثْرِبَ يسألونهم ويُسْنِدُون إِليهم.

وقوله: { بِٱلْبَيِّنَـٰتِ }: متعلِّق بفعلٍ مضمرٍ، تقديره: أرسلناهم بالبيِّنات، وقالتْ فرقة: الباءُ متعلِّقة بـ { أَرْسَلْنَا } في أول الآية، والتقدير على هذا: وما أرسلنا من قبلك بالبيِّنات والزُّبُرِ إِلاَّ رجالاً، ففي الآية تقديمٌ وتأخير، و { ٱلزُّبُرِ }: الكُتُبُ المزبورة.

وقوله سبحانه: { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ... } الآية.

* ت *: وقد فعل صلى الله عليه وسلم ذلك، فبيَّن عن اللَّهِ، وأوْضَح، وقد أوتي صلى الله عليه وسلم جوامعَ الكَلِم، فأعرب عن دين اللَّهِ، وأفصح، ولنذكُر الآن طَرَفاً من حِكَمِهِ، وفصيحِ كلامِهِ بحذف أسانيده، قال عِياضٌ في «شِفَاهُ»: وأما كلامُهُ صلى الله عليه وسلم المعتادُ، وفصاحَتُه المعلومةُ، وجوامُع كَلِمِهِ، وحِكَمُه المأثورةُ، فمنها ما لا يُوَازَى فصاحةً، ولا يبارَى بلاغةً؛ كقوله: " المُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ " وقوله: " النَّاسُ كَأَسْنَانِ المِشْطِ " و " المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ " و " لاَ خَيْرِ فِي صُحْبَةِ مَنْ لاَ يَرَى لَكَ مَا تَرَى لَهُ " و " النَّاسُ مَعَادِنٌ " و " مَا هَلَكَ ٱمْرُءٌ عَرَفَ قَدْرَهُ " و " المُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ " و " هو بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَكَلَّم "

السابقالتالي
2