وقوله سبحانه: { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ... } ، الآية: { يَوْمٍ } ظِرفٌ للانتقامِ المذْكُورِ قبله، وروي في تَبْدِيلِ الأرض أَخْبَارٌ منها في الصَّحِيحِ: " يُبَدِّلُ اللَّهُ هَذِهِ الأَرْضَ بأَرْضٍ عَفْرَاءَ بَيْضَاءَ كَأَنَّهَا قرصة نَقي " ، وفي الصحيح: " إِنَّ اللَّهَ يُبَدِّلُهَا خُبْزَةً يَأْكُلُ ٱلْمُؤْمِنُ مِنْهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ " وروي أنها تبدَّلُ أَرضاً من فِضَّةٍ، وروي أنها أرض كالفضَّة مِنْ بياضها، وروي أنها تبدَّل من نارٍ. قال * ع *: وسمعتُ من أبي رحمه اللَّه؛ أنه روي أنَّ التبديل يَقَعُ في الأرضِ، ولكنْ يبدَّل لكلِّ فريقٍ بما يقتضيه حالُهُ، فالمُؤْمِنُ يكُونُ على خُبْزٍ يأكُلُ منه بحَسَبِ حاجته إِليه، وفريقٌ يكونُ على فضَّة، إِن صحَّ السند بها، وفريقُ الكَفَرَةِ يَكُونُونَ على نارٍ، ونحو هذا ممَّا كله واقِعٌ تحْتَ قدرةِ اللَّهِ عَزَّ وجلَّ، وأكثر المفسِّرين على أنَّ التبديلَ يكونُ بأرضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ لَمْ يُعْصَ اللَّهُ فيها، ولا سُفِكَ فِيهَا دَمٌ، وَلَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لأَحَدٍ، وروي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: " المؤمنون وقْتَ التبديل في ظلِّ العرش " ، وروي عنه أنه قال: " النَّاسُ وقْتَ التبديل على الصِّراط " ، ورُوِيَ أنه قال: " الناسُ حينئذٍ أضْيَافُ اللَّهِ، فلا يُعْجِزُهُم ما لَدَيْهِ " وفي «صحيح مسلم» من حديث ثَوْبَان " في سؤال الحَبْرِ، وقوله: يا مُحَمَّدُ، أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمٰوَاتُ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: « هُمْ فِي الظُلْمَةِ دُونَ الجسر» " الحديثَ بطوله، وخرَّجه مسلمٌ وابنُ مَاجَه جميعاً، قالا: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شَيْبَةَ، ثم أسنَدَا عَنْ عائشة، قَالَتْ: " سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ السَّمٰوَاتُ } فَأَيْنَ يَكُونُ النَّاسِ؟ قَالَ: عَلَى الصِّرَاطِ " ، وخرَّجه الترمذيُّ من حديث عائشة، " قالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، { وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَـٰوَٰتُ مَطْوِيَّـٰتٌ بِيَمِينِهِ } [الزمر:67]، فَأَيْنَ يَكُونُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ:« عَلَى الصِّرَاطِ يَا عَائِشَةُ»، قال أبو عيسَى: هذا حديثٌ حسن صحيح. انتهى من «التذكرة». { وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ }: أي الكفَّار، و { مُّقَرَّنِينَ }: أي: مربوطين في قَرْنٍ، وهو الحَبْلُ الذي تُشَدُّ به رؤوس الإِبِلِ والبَقَرِ، و { ٱلأَصْفَادِ }: هي الأغلال، واحِدُها صَفَد، والسَّرابيل: القُمُصُ، والــ { قَطِرَانٍ }: هو الذي تهنأ به الإِبل، وللنار فيه ٱشتعالٌ شديدٌ، فلذلك جعل اللَّهُ قُمُصَ أهْلِ النارِ منه، وقرأ عمر بن الخطاب وعليٌّ وأبو هريرة وابنُ عبَّاس وغيرهم: «مِنْ قِطْرٍ آنٍ»، والقِطْر: القَصْدِير، وقيل: النُّحَاس، وروي عن عمر أنَّه قال: ليس بالقَطِرَانِ، ولكنَّه النُّحَاس يسر بلونه، و«آن»: صفة، وهو الذائبُ الحارُّ الذي تناهَى حَرُّه؛ قال الحَسَن: قد سُعِّرَتْ عليه جهنَّم منْذُ خُلِقَتْ، فتناهَى حَرُّه. وقوله سبحانه: { لِيَجْزِيَ ٱللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ... } الآية: جاء من لفظة الكَسْب بما يعم المُسِيءَ والمُحْسِنَ؛ لينبِّه على أنَّ المحسن أيضاً يجازَى بإِحسانه خيراً. وقوله سبحانه: { هَـٰذَا بَلَـٰغٌ لِّلنَّاسِ... } الآية: إِشارةٌ إِلى القرآن والوعيدِ الذي تضمنَّه، والمعنى: هذا بلاغٌ للناس، وهو لينذروا به وليذَّكَّر أولو الألباب، وصلَّى اللَّه على سيِّدنا محمَّد وآله وصَحْبِه وسلَّم تسليماً.