الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } * { قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } * { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ }

وقوله تعالى: { قَالُواْ يَٱأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا... } الآية: روي أنَّ يوسُفَ عليه السلام لما غَفَر لإِخوته، وتحقَّقوا أَنَّ أباهم يغفر لهم، قال بعضُهم لبعض: ما يُغْنِي عنا هذا إِنْ لم يغفر اللَّه لَنَا، فطلبوا حينئذٍ من يعقُوبَ عليه السلام أنْ يطلب لهم المغفرَةَ مِنَ اللَّه تعالى، وٱعترفوا بالخَطَإِ، فقال لهم يعقوب: { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي }.

* [ت] *: وعن ابن عباس؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعليٍّ رضي اللَّه عنه: " إِذَا كَانَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، فَإِنِ ٱسْتَطَعْتَ أَنْ تَقُومَ في ثُلُثِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنَّها سَاعَةٌ مَشْهُودَةٌ وَالدُّعَاءُ فِيهَا مُسْتَجَابٌ، وقد قال أخي يعقوبُ لبنيه: { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي } ، يقول: حَتَّى تَأْتِيَ لَيْلَةُ الجُمُعَةِ... " وذكر الحديث، رواه الترمذيُّ، وقال: حسنٌ غريبٌ لا نعرفه إِلا من حديث الوليد بن مُسْلم، ورواه الحاكم في «المستدْرك على الصحيحين»، وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين، يعني البخاريَّ ومسلماً انتهى من «السلاح».

وقوله سبحانه: { ءَاوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ } قال ابنُ إِسحاق، والحسن: أراد بالأبوين: أباه وأمَّه، وقيل: أراد؛ أباه وخالته.

قال * ع *: والأول أظهر؛ بحسب اللفْظِ، إِلا أَنْ يثبت بِسنَدٍ أنَّ أمه قد كانَتْ ماتَتْ.

وقوله تعالى: { إِن شَاءَ ٱللَّهُ } هذا الاستثناءُ هو الذي نَدَبَ القرآن إِليه؛ أَن يقوله الإِنسانُ في جميعِ ما ينفذه في المستقبل، و { ٱلْعَرْشِ }: سريرُ المُلْك، و { خَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا }: أي: سجودَ تَحِيَّةٍ، فقيل: كان كالسُّجُود المعهودِ عندنا من وَضْعِ الوجْهِ بالأرض.

وقيل: بل دون ذلك كالرُّكوعِ البالغ ونحوه ممَّا كان سيرةَ تحيَّاتهم للملوكِ في ذلك الزمَانِ، وأجمع المفسِّرون؛ أنه كان سجُودَ تحيَّة لا سُجُودَ عبادةٍ، وقال الحسنُ: الضمير في «له» للَّه عزَّ وجلَّ، ورُدَّ هذا القولُ على الحَسَنِ.

وقوله عزَّ وجلَّ: { وَقَالَ يَٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَـٰي مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا }: المعنى: قال يوسُفُ ليعقوبَ، هذا السجودُ الذي كانَ منْكُم هو ما آلَتْ إِليه رؤياي قديماً في الأحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشمْس والقمر، { قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا } ثم أخذ عليه السلام يعدِّد نعم اللَّه عَلَيْه، وقال: وقد أخرجني من السجن، وترك ذكر إِخراجه من الجُبِّ؛ لأنَّ في ذكره تجْدِيدَ فعْلِ إِخوته وخِزْيِهِم، وتَحْرِيكَ تِلْكَ الغوائِلِ، وتخبيثَ النفوسِ، ووجْه آخر أنه خَرَجَ مِنَ الجُبِّ إِلى الرِّقِّ، ومن السِّجْنِ إِلى المُلْكِ، فالنعمةَ هنا أَوضَحُ، { إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ } ، أي: من الأمور أنْ يفعله؛ { إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ }.

قال * ع *: ولا وَجْه في ترك تعريفِ يُوسُفَ أباه بحاله مُنْذُ خَرَجَ من السِّجْنِ إِلى العِزِّ إِلا الوَحْيُ مِنَ اللَّه تعالَى؛ لَمَّا أَراد أَن يمتحن به يَعْقُوب وبنيه، وأراد من صورة جمعهم، لا إِلٰه إِلا هو.

وقال النَّقَّاش: كان ذلك الوحْيُ في الجُبِّ، وهو قوله سبحانه:وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [يوسف:15]، وهذا محتمل.