الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } * { قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ } * { قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ }

وقوله سبحانه: { فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ }: هذا من الكَيْد الذي يَسَّره اللَّه ليوسُفَ عليه السلام، وذلك أنه كان في دين يَعْقُوبَ؛ أنْ يُسْتَبْعَدَ السارقُ، وكان في دِينِ مِصْرَ؛ أن يُضْرَبَ، ويُضَعَّف عليه الغُرْم، فعلم يوسُفُ أَنَّ إِخوته لثقتهم ببراءة سَاحَتِهِمْ سَيَدْعُونَ في السَّرقة إِلى حكمهم، فتحيَّل لذلك، وٱستسْهَلَ الأَمرَ على ما فيه مِنْ رَمْي أبرياء وإِدخالِ الهَمِّ على يَعْقُوب وعَلَيْهِم؛ لِمَا علم في ذلك من الصَّلاح في الآجِلِ، وبوَحْيِ لا محالة، وإِرادةٍ مِنَ اللَّه محنَتَهُمْ بذلك، و { ٱلسِّقَايَةَ }: الإِناء الذي به يَشْرَبُ المَلِكُ؛ وبه كان يَكِيلُ الطعام للنَّاس؛ هكذا نصَّ جمهور المفسِّرين ابنُ عباس وغيره، وروي أنه كان مِنْ فضَّة، وهذا قولُ الجمهور، وكان هذا ٱلجُعْل بغَيْرِ عِلْم من «يَامين»؛ قاله السُّدِّيُّ وهو الظاهر، «فلما فَصَلَتِ العير» بأوقارها، وخرجَتْ من مصر فيما رُوِيَ أمر بهم فَحُبِسُوا، وأذن مؤذن أيتها العير إِنكم لسارقُونَ، ومخاطبةُ العِير مجازٌ، والمراد أربابها.

* ت *: قال الهَرَوِيُّ: قوله تعالى: { أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ }: «العير»: الإِبلُ والحمير التي يحمل عليها الأحمال، وأراد أصحاب العير؛ وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم: " يا خَيْلَ اللَّهِ، ٱرْكَبِي " أراد: يا أَصْحَابَ خَيْلِ اللَّهِ ٱرْكَبِي، وأنَّث «أَيًّا»؛ لأَنه للعيرِ، وهي جماعة، انتهى. فلما سمع إِخْوَةُ يوسُفَ هذه المقالة، أقبَلوا عليهم، وساءهم أَنْ يُرْمَوْا بهذه المَثْلَبَة، وقالوا: ماذا تَفْقِدُونَ، ليقع التفْتِيشُ، فتظهر براءتهم، ولم يلوذوا بالإِنكار من أوَّل، بل سألوا إِكمال الدعوَى؛ عسى أنْ يكون فيها ما تبطل به، فلا يَحْتَاج إِلى خصامٍ، قالوا: نفقدُ صُوَاعَ المَلِكِ، وهو المِكْيَالُ، وهو السِّقَايَةُ، قال أبو عُبَيْدة: يؤنَّث الصُّوَاع؛ مِنْ حيْثُ سمي سِقَايَةً، ويذكَّر من حيث هو صَاعٌ.

* ت *: ولفظ أبي عُبَيْدة الهَرَوِيُّ قال الأَخفش: الصَّاع: يذكَّر ويؤنَّث، قال اللَّه تعالى: { ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ } فأنَّثَ، وقَالَ: { لِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ } فذكَّرَ لأنه عنى به الصُّوَاع. انتهى.

وقوله: { وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ }: أي: لمن دَلَّ على سارقه، وجَبَرَ الصَّواع، وهذا جُعْل.

وقوله: { وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ }: حَمَّالَةٌ، قال مجاهد: «الزَّعيم»: هو المُؤَذِّن الذي قال أيَّتُهَا العِير و«الزعيم»: الضامنُ في كلام العرب.