الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَافِرِينَ } * { قَالَ سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ }

وقوله تعالى: { وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا }: أي: وقال نوحٌ لمن معه: ٱركبوا فيها، وقوله: { بِسْمِ ٱللَّهِ } يصحُّ أنْ يكون في موضع الحال في ضمير «ٱرْكَبُوا»، أي: اركبوا متبرِّكين بٱسْم اللَّه، أو قائلين: باسم اللَّه، ويجوزُ أن يكون: { بِسْمِ * ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَٰهَا } جملةً ثانيةً من مبتدإٍ وخبرٍ، لا تعلُّق لها بالأولَى كأنه أمرهم أولاً بالركوب، ثم أخبر أن مجراها ومرساها باسم اللَّه. قال الضَّحَّاك: كان نوحٌ إِذا أراد جَرْيَ السفينة، جَرَتْ، وإِذا أَراد وقوفَها، قال: باسم اللَّه، فتقف، وقرأ الجمهور بضم الميم من «مُجْرَاهَا ومُرْسَاهَا» على معنى إِجرائها وإِرسائها، وقر الأَخَوَان حَمْزَةُ والكِسَائيُّ وحفصٌ بفتح ميمٌ «مَجْريهَا» وكسر الراء، وكلُّهم ضمَّ الميم في «مُرْسَاهَا».

* ت *: قوله: «وكسر الراء»: يريد إِمالتها، وفي كلامِهِ تسامُحٌ، ولفظُ البخاريِّ: مُجْرَاها: مَسِيرُها، ومُرْسَاها: مَوْقِفُها، وهو مصدرُ: أُجْرَيْتُ وأَرْسَيْتُ. انتهى.

قال النوويُّ: ورُوِّيَنا في «كتاب ابن السُّنِّيِّ» بسنده، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أنَّهُ قَالَ: " أَمَانٌ لأُمَّتي مِنَ الغَرَقِ، إِذَا رَكِبُوا أَنْ يَقُولُوا: { بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَٰهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ.. } الآية [الأنعام:91] " ، هكذا هو في النُّسَخ: «إِذَا رَكِبُوا»، ولم يقلْ: «في السفينة» انتهى.

وقوله: { وَكَانَ فِى مَعْزِلٍ } أي: في ناحيةٍ، أي: في بُعْدٍ عن السفينة، أوْ عن الدِّين، واللفظ يعمُّهما.

وقوله: { وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَـٰفِرِينَ }: يحتمل أنْ يكون نهياً محضاً مع علمه بأَنَّه كافرٌ، ويحتمل أنْ يكون خَفِيَ عليه كُفْره؛ والأول أبْيَنُ.

وقوله: { لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ }: الظاهر أنَّ { لاَ عَاصِمَ } اسمُ فاعِلٍ على بابه، وقوله: { إِلاَّ مَن رَّحِمَ }: يريد: إِلا اللَّهَ الرَّاحِمَ، فـــ «مَنْ» كنايةٌ عن اللَّه، المعنى: لا عاصِمَ اليَوْم إِلا الذي رَحِمَنَا.