الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ وَأَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } * { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } * { أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

وقوله سبحانه: { فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ } ، لهذه الآية تأويلان:

أحدهما: أنْ تكون المخاطبةُ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم للكفَّار، أي: ويكون ضميرُ { يَسْتَجِيبُواْ }؛ على هذا التأويل عائداً على معبوداتهم.

والثاني: أن تكون المخاطبةُ من اللَّه تعالَى للمُؤمنين، ويكون قوله؛ على هذا { فَٱعْلَمُواْ } بمعنى: دُومُوا علَى عِلْمِكُم قال مجاهد: قوله تعالى: { فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ }: هو لأصحابِ محمَّد عليه السلام.

وقوله سبحانه: { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا... } الآية: قالت قتادةُ وغيره: هي في الكَفَرة، وقال مجاهد: هي في الكفرة وأهْلِ الرياءِ من المؤمنين.

وإليه ذهب معاويَةُ، والتأويل الأول أَرْجَحُ؛ بحسب تقدُّمِ ذكْرِ الكفَّار، وقال ابنُ العربيِّ في «أحكامِه»: بل الآية عامَّة في كلِّ من ينوي غيْرَ اللَّهِ بِعَمَلِه، كان معه إيمان أو لم يكُنْ، وفي هذه الآية بيانٌ لقوله صلى الله عليه وسلم: " إِنَّمَا الأَعمْالُ بِالنِّيَّاتِ وإِنَّما لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مَا نَوَى " ، وذلك أنَّ العبد لا يُعْطَى إِلا عَلَى وَجْهٍ قَصدَهُ، وبحُكْم ما ينعقدُ في ضَمِيرِهِ، وهذا أمرٌ مُتَّفَقٌ عليه.

وقوله: { نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا }: قيل: ذلك في صحَّة أبدانهم وإِدرَارِ أرزَاقهم، وقيل: إِن هذه الآية مطْلَقةٌ، وكذلك التي في «حۤم عۤسۤقۤ »:مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلأَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ } [الشورى:20] الآية إِلى آخرها، قيَّدتْهما وفسَّرتْهما الآيةُ التي في «سورة سُبْحانَ»، وهي قوله تعالى:مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَـاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ... } الآية [الإِسراء:18]، فأخبر سبحانه أَنَّ العبدِ ينوي ويريدُ، واللَّه يحكُمُ ما يريدُ، ثم ذكر ابنُ العربيِّ الحديثَ الصحيحَ في النَّفَرِ الثلاثة الذين كَانَتْ أعمالهم رياءً، وهم رَجُلٌ جمع القرآن، ورجلٌ قُتِلَ في سبيل اللَّه، ورَجُلٌ كثيرُ المالِ، وقولَ اللَّهِ لكلِّ واحدٍ منهم: «مَاذَا عَمِلْتَ؟» ثم قال في آخر الحديث: ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُكْبَتَيَّ، وَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أُولَئِكَ الثَّلاَثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ، ثُمَّ قرأ قوله تعالى: { أُوْلَٰـئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلأَخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا } ، أي: في الدنيا وهذا نصٌّ في مراد الآية، واللَّه أعلم. انتهى.

و { حَبِطَ }: معناه: بَطَلَ وسَقَط، وهي مستعملةٌ في فَسَاد الأعمال.

قال * ص *: قوله: { مَا صَنَعُواْ }: «ما» بمعنى: «الَّذِي»، أو مصدريةٌ، و«فيها»: متعلِّقٌ بـــ «حَبِطَ»، والضمير في «فيها» عائدً على الآخرة، أي: ظهر حبوطُ ما صَنَعُوا في الآخرة، أَو متعلِّق بـــ «صَنَعُوا»؛ فيكون عائداً على الدنيا. انتهى.

و«الـــ { بَاطِلٌ }: كُلُّ ما تقتضي ذاتُه أَلاَّ تُنَال به غايةٌ في ثوابٍ ونحوه، وقوله سبحانه: { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ }: في الآية تأويلات.

قال * ع *: والراجحُ عندِي مِنَ الأقوال في هذه الآية: أَنْ يكون «أَفَمَن» للمؤمنين، أوْ لهم وللنبيِّ صلى الله عليه وسلم معهم، والـــ { بَيِّنَةً }: القرآن وما تضمَّن، والـــ { شَاهِدٌ }: الإِنجيلُ، يريد: أَو إِعجاز القرآن في قولٍ، والضميرُ في «يتلوه» للبيِّنة، وفي «منه» للربِّ، والضميرُ في «قبله» للبينة أيضاً، وغير هذا مما ذُكِرَ محتملٌ، فإِن قيل: إِذا كان الضمير في «قَبْله» عائداً على القُرْآنِ، فَلِمَ لَمْ يذْكَر الإِنجيل، وهوَ قبله، وبَيْنَه وبَيْن كتاب موسَى؟، فالجوابُ: أنه خَصَّ التوراة بالذكْرِ؛ لأنه مجمَعٌ عليه، والإِنجيل ليس كذلك؛ لأن اليهود تخالِفُ فيه، فكان ٱلاستشهاد بما تقُومُ به الحجَّةُ على الجميع أولَى، وهذا يجري مَعَ قولِ الجنِّ:

السابقالتالي
2