الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } * { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ }

وقوله سبحانه: { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا } رُوي: أَن فرعون أَخَافَ بني إِسرائيل، وهدَّم لهم مواضعَ كانوا ٱتَّخذُوهَا للصلاة، ونَحْو هذا، فأوحَى اللَّه إِلَى موسَى وهارون، أنْ تَبَّوءا أي: اتخذا وتَخَيَّرا لبني إِسرائيل بمصْر بيوتاً، قال مجاهد: مِصْر؛ في هذه الآية: الإِسْكَنْدَرِيَّة، ومصْرُ ما بين أَسْوَان والإِسكندرية.

وقوله سبحانه: { وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً }: قيل: معناه: مساجدُ، قاله ابنُ عباس وجماعة، قالوا: خافوا، فأُمِرُوا بالصَّلاة في بيوتهم، وقيل: معناه مُوجَّهة إِلى القبلة؛ قاله ابن عباس، ومنْ هذا حديثٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنه قَالَ: " خَيْرُ بُيُوتِكُمْ مَا ٱسْتُقْبِلَ بِهِ القِبْلة ". وقوله: { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ }: خطابٌ لبني إِسرائيل، وهذا قبل نزول التوراة؛ لأَنها لم تَنْزِلْ إِلا بعد إِجازة البَحْر.

وقوله: { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }: أَمرٌ لموسَى عليه السلام، وقال الطبريُّ ومكيٌّ: هو أَمرٌ لنبينا محمَّد عليه السلام، وهذا غير متمكِّن.

وقوله سبحانه: { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ ءاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً... } الآية: هذا غضَبٌ من موسَى على القِبْطِ، ودعاءٌ عليهم، لمَّا عَتَوْا وعانَدوا، وقدَّم للدعاءِ تقريرَ نعِم اللَّه علَيْهم وكُفْرِهِم بها، و { ءاتَيْتَ } معناه: أَعْطَيْتَ، واللام في { لِيُضِلُّواْ } لام كَيْ، ويحتملُ أن تكون لامَ الصَّيْرورة والعَاقِبَةِ، المعنى: آتيتهم ذَلكَ، فصار أمرهم إِلى كذا، وقرأ حمزة وغيره: «لِيُضِلُّوا» (بضم الياء)؛ على معنى: لِيُضِلُّوا غيرهم.

وقوله: { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَٰلِهِمْ }: هو من طُمُوسِ الأَثْر والعين؛ وَطَمْسُ الوجوه منه، وتكْرير قوله: { رَبَّنَا } ٱستغاثة؛ كما يقول الداعي: يا اللَّه، يا اللَّه، روي أنهم حين دعا موسَى بهذه الدعوة، رَجَعَ سُكَّرُهُمْ حجارةً، ودراهِمُهم ودنانيرهم وحُبُوبُ أطعمتهم، رَجَعَتْ حجارةً؛ قاله قتادة وغيره، وقال مجاهد وغيره: معناه: أهْلِكْها ودَمِّرها.

وقوله: { وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ }: بمعنى: ٱطْبَعْ وٱخْتِمْ عليهم بالكفر؛ قاله مجاهدٌ والضَّحَّاك.

وقوله: { فَلاَ يُؤْمِنُواْ }: مذهب الأخفش وغيره: أنَّ الفعل منصوب؛ عطفاً على قوله: { لِيُضِلُّواْ } ، وقيل: منصوبٌ في جواب الأمر، وقال الفراء والكسائي: هو مجزومٌ على الدعاء، وجعل رؤية العذاب نهايةً وغايةً؛ وذلك لِعِلْمه من اللَّه أنَّ المؤمن عند رؤية العَذَاب لا ينفعه إِيمانه في ذلك الوَقْت، ولا يُخْرِجُهُ من كُفْره، ثم أجاب اللَّه دعوتهما، قال ابن عباس: العَذَاب هنا: الغَرَقُ، وروي أن هارون كان يُؤْمِّنُ على دعاء موسَى؛ فلذلك نَسَب الدعوة إليهما؛ قاله محمد بن كَعْب القُرَظِيُّ، قال البخاريُّ: { وَعَدْوًا }: من العُدْوان. انتهى.

وقول فرعون: { آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ... } الآية: روي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: " أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: مَا أَبْغَضْتُ أَحَداً قَطُّ بُغْضِي لِفِرْعَوْنَ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: { ءامَنتُ... } الآيَةَ، فَأَخَذْتُ مِنْ حَالِ البَحْرِ، فَمَلأْتُ فَمَهُ؛ مَخَافَةَ أَنْ تَلْحَقُهُ رَحْمَةُ اللَّهِ "

السابقالتالي
2