الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } * { فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ } * { هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ }

وقوله سبحانه: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ }: قال الجمهور: { ٱلْحُسْنَىٰ }: الجنةُ، والــ { زِيَادَةٌ }: النَّظَر إِلَى وجهِ اللَّه عزَّ وجلَّ؛ وفي «صحيح مسلمٍ» من حديثِ صُهَيْبٍ: " فَيَكْشِفُ الحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئاً أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ " ، وفي رواية: ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةِ: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } وأخرج هذه الزيادةَ النَّسَائِيُّ عن صُهَيْبٍ، وأَخْرَجَهَا عن صُهَيْبٍ أَيضاً أَبو دَاوُدَ الطَّيَالِسي انتهى. من «التذكرة».

وقوله سبحانه: { وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ... } الآية. و { يَرْهَقُ } معناه: يَغْشَى مع غلبةٍ وتضييقٍ، والــ { قَتَرٌ }: الغُبَار المُسْوَدُّ.

وقوله سبحانه: { وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا } قالت فِرْقَةٌ: التقديرُ لهم جزاءُ سيئةٍ بمثلها، وقالت فرقة: التقديرِ جزاءُ سيِّئة مثلها، والباء زائدةٌ، وتعم السيئاتُ هٰهنا الكُفْرَ والمعاصِيَ، والـــ { عَاصِمٍ }: المنجِّي والمُجير، و { أُغْشِيَتْ }: كُسَيَتْ، و«القَطْع»: جمع قِطْعة، وقرأ ابن كثيرٍ والكِسَائِيُّ: «قَطْعاً مِنَ اللَّيْلِ» - بسكون الطاء -، وهو الجُزْء من الليل، والمراد: الجُزْء من سواده، وباقي الآية بيِّن.

و { مَكَانَكُمْ }: ٱسْمُ فعلِ الأَمْرِ، ومعناه: قِفُوا وَٱسْكُنوا، * ت *: قال * ص *: وقدِّر بـــ «اثبتوا» وأما من قدَّره بـــ «ٱلْزَمُوا مكانَكُمْ»، فمردودٌ، لأن «الزموا» متعدٍّ، وَ { مَكَانَكُمْ }: لا يتعدَّى، فلا يقدَّر به، وإلا لكان متعدياً، واسم الفعل عَلَى حَسَب الفعلِ إِنْ متعدياً فمتعدٍّ، وإِنْ لازماً فلازِمٌ، ثم ٱعتذر بأنه يمكن أن يكون تقديره بـــ «ٱلْزَمُوا» تقديرَ معنًى، لا تقديرَ إِعرابٍ، فلا ٱعتراضَ، انتهى.

قال * ع *: فأخبر سبحانَهُ عن حالةٍ تكُونُ لعبدة الأوثانِ يوم القيامة يُؤْمَرُوْنَ بالإِقامة في موقف الخِزْيِ مع أصنامهم، ثم يُنْطِقُ اللَّه شركاءهم بالتبريِّ منهم.

وقوله: { فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ }: معناه: فرَّقنا في الحُجَّةِ، والمذهب روي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ الكُفَّار، إِذَا رَأَوا العَذَابَ، وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ، قِيلَ لَهُمُ: اتَّبِعُوا مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ، فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ هَؤُلاَءِ، فَتَقُولُ الأَصْنَامُ: وَاللَّهِ، مَا كُنَّا نَسْمَعُ، وَلاَ نَعْقِلُ، وَمَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تعْبُدُونَ، فَيَقُولُونَ: واللَّهِ، لإِيَّاكُمْ كُنَّا نَعْبُد، فَتَقُولُ الآلِهَةُ: { فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ... } الآية، وظاهر الآية أنَّ محاورتهم إِنما هي مَعَ الأصنام دون المَلاَئِكَةِ وَعِيسَى؛ بدليل القوْلِ لهم: { مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ } ، ودون فِرْعَونَ ومَنْ عُبِدَ من الجنِّ؛ بدليل قولهم: { إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَـٰفِلِينَ } ، و«إنْ» هذه عند سيبَوَيْه المخَفَّفَةُ من الثقيلة موجبَةٌ، ولزمتها اللام، فرقاً بينها وبين «إِنِ» النافيةِ، وعندَ الفَرَّاء: «إِنْ» نافيةٌ بمعنَى «مَا»، واللامُ بمعنى «إِلاَّ»، وقرأ نافعٌ وغيره: «تَبْلُوا» - بالباء الموحَّدة -؛ بمعنى: تختبر، وقرأ حمزة والكسائي: «تَتْلُوا» - بتاءين -؛ بمعنى تَتْبَعُ وتطلب ما أَسْلَفَتْ من أعمالها * ت *: قال * ص *: كقوله: [الرجز]
إِنَّ المُرِيبَ يَتْبَعُ المُرِيبَا   كَمَا رَأَيْتَ الذِّيَبِ يَتْلُو الذِّيَبَا
أي: يتبعه. انتهى. ويصحُّ أَن يكون بمعنى تَقْرَأُ كُتُبَهَا التي تُدْفَع إِليها.

وقوله: { وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ... } الآية: تدبيرُ الأمْرِ عامٌّ في جميع الأشياءِ، وذلك ٱستقامةُ الأمور كلِّها على إِرادته عزَّ وجلَّ، وليس تدبيره سبحانه بفكْرٍ ورويَّةٍ وتغييراتٍ - تعالَى عن ذلك - بل علمه سبحانه محيطٌ كاملٌ دائمٌ.

{ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ }: أي: لا مَنْدُوحَةَ لهم عن ذلك، ولا تُمْكِنهم المباهَتَةُ بسواه، فإِذا أقرُّوا بذلك، { فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } في ٱفترائكم، وجَعْلِكم الأصنام آلهة.