الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

وقوله سبحانه: { هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ... } الآية: تعديدُ نِعَمٍ منه سبحانه على عباده.

وقوله سبحانه: { دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ }: أي: نسوا الأصنام والشركاء، وأفردوا الدعاء للَّه سبحانه، وذكَر الطبريُّ في ذلك، عَنْ بعض العلماء حكايةَ قَوْلِ العَجَمِ: «هيا شرا هيا»، ومعناه: يا حَيُّ يَا قَيُّومُ»، و { يَبْغُونَ }: معناه: يُفسدون.

وقوله: { مَّتَاعَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } متاع: خبر مبتدأ محذوفٍ، تقديره هو متاع، أو ذلك مَتَاعٌ، ومعنى الآية: إِنما بغيكم وإِفسادكم مُضِرٌّ لكم، وهو في حالة الدنيا، ثم تَلْقَوْنَ عقابه في الآخرة، قال سفيان بن عُيَيْنة: إِنما بغيكم علَى أنفسِكُمْ متاع الحياة الدنيا: أي تُعَجَّلُ لكم عقوبته؛ وعلى هذا قالوا: البَغْيُ يَصْرَعُ أهله.

قال * ع *: وقالوا: البَاغِي مصروعٌ: قال تعالى:ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ } [الحج:60]، وقال النبيُّ عليه السلام: " ما ذَنْبٌ أَسْرَعُ عُقُوبَةً مِنْ بَغْيٍ ". وقوله سبحانه: { إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } أي: تفاخُرُ الحياة الدنيا وزينَتُها بالمَالِ والبَنِينَ، إِذ مصيرُ ذلك إِلى الفَناءِ؛ كمطرٍ نَزَلَ من السماءِ، { فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ } ، أي: ٱختلط النباتُ بعْضُهُ ببعض بسَبَبِ الماء، ولفظ البخاريِّ: قال ابن عباس: { فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ }: فنبت بالماء مِنْ كلِّ لونٍ انتهى. و { أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ } لَفْظَةٌ كثُرت في مثل هذا، كقوله:خُذُواْ زِينَتَكُمْ } [الأعراف:31] والزُّخْرُف: التزيينُ بالألوان، وقرأ ابن مسعود وغيره: «وتَزَيَّنَتْ» وهذه أصل قراءة الجمهور.

وقوله: { وَظَنَّ أَهْلُهَا }: على بابها، وهذا الكلامُ فيه تشبيهُ جملة أمْرِ الحياة الدنيا بهذه الجُمْلَةَ الموصُوفَة أحوالُهَا، و { حَتَّىٰ } غايةٌ، وهي حرفُ ٱبتداءٍ؛ لدخولها على «إِذا»، ومعناهما متَّصِلٌ إِلى قوله: { قَادِرُونَ عَلَيْهَا } ، ومن بعد ذلك بدأ الجوابُ، والأمْرُ الآتي: واحدُ الأمور؛ كالرِّيحِ، والصِّرِّ والسَّمُومِ، ونحوِ ذلك، وتقسيمُهُ { لَيْلاً أَوْ نَهَارًا } ، تنبيهٌ على الخَوْف وٱرتفاع الأمْنِ في كلِّ وقت، و { حَصِيداً } ، بمعنى محصوداً، أي: تالفاً مستهلكاً، { كَأَن لَّمْ تَغْنَ }: أي: لم تنضر، ولم تنعم، ولم تعمر بغَضَارتها، ومعنى الآية: التحذير من ٱلاغترار بالدنيا؛ إِذ هي معرَّضة للتلف؛ كنبات هذه الأرض وخَصَّ المتفكِّرين بالذكْر؛ تشريفاً للمنزلة؛ وليقَعَ التسابُقُ إِلى هذه الرتبة.

{ وَٱللَّهُ يَدْعُواْ إِلَى دَارِ ٱلسَّلَـٰمِ... } الآية: نصٌّ أن الدعاء إِلى الشرْع عامٌّ في كل بَشَرٍ، والهداية التي هي الإِرشادُ مختصَّةٌ بمَنْ قدِّر إِيمانه، و { ٱلسَّلَـٰمِ }؛ هنا: قيل: هو ٱسمٌ من أسماء اللَّه تعالى، والمعنَى: يدعو إِلى داره التي هي الجنَّة، وقيل: { ٱلسَّلَـٰمِ } بمعنى السَّلامة.