وقوله سبحانه: { هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ... } الآية: تعديدُ نِعَمٍ منه سبحانه على عباده. وقوله سبحانه: { دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ }: أي: نسوا الأصنام والشركاء، وأفردوا الدعاء للَّه سبحانه، وذكَر الطبريُّ في ذلك، عَنْ بعض العلماء حكايةَ قَوْلِ العَجَمِ: «هيا شرا هيا»، ومعناه: يا حَيُّ يَا قَيُّومُ»، و { يَبْغُونَ }: معناه: يُفسدون. وقوله: { مَّتَاعَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } متاع: خبر مبتدأ محذوفٍ، تقديره هو متاع، أو ذلك مَتَاعٌ، ومعنى الآية: إِنما بغيكم وإِفسادكم مُضِرٌّ لكم، وهو في حالة الدنيا، ثم تَلْقَوْنَ عقابه في الآخرة، قال سفيان بن عُيَيْنة: إِنما بغيكم علَى أنفسِكُمْ متاع الحياة الدنيا: أي تُعَجَّلُ لكم عقوبته؛ وعلى هذا قالوا: البَغْيُ يَصْرَعُ أهله. قال * ع *: وقالوا: البَاغِي مصروعٌ: قال تعالى:{ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ } [الحج:60]، وقال النبيُّ عليه السلام: " ما ذَنْبٌ أَسْرَعُ عُقُوبَةً مِنْ بَغْيٍ ". وقوله سبحانه: { إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } أي: تفاخُرُ الحياة الدنيا وزينَتُها بالمَالِ والبَنِينَ، إِذ مصيرُ ذلك إِلى الفَناءِ؛ كمطرٍ نَزَلَ من السماءِ، { فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ } ، أي: ٱختلط النباتُ بعْضُهُ ببعض بسَبَبِ الماء، ولفظ البخاريِّ: قال ابن عباس: { فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ }: فنبت بالماء مِنْ كلِّ لونٍ انتهى. و { أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ } لَفْظَةٌ كثُرت في مثل هذا، كقوله:{ خُذُواْ زِينَتَكُمْ } [الأعراف:31] والزُّخْرُف: التزيينُ بالألوان، وقرأ ابن مسعود وغيره: «وتَزَيَّنَتْ» وهذه أصل قراءة الجمهور. وقوله: { وَظَنَّ أَهْلُهَا }: على بابها، وهذا الكلامُ فيه تشبيهُ جملة أمْرِ الحياة الدنيا بهذه الجُمْلَةَ الموصُوفَة أحوالُهَا، و { حَتَّىٰ } غايةٌ، وهي حرفُ ٱبتداءٍ؛ لدخولها على «إِذا»، ومعناهما متَّصِلٌ إِلى قوله: { قَادِرُونَ عَلَيْهَا } ، ومن بعد ذلك بدأ الجوابُ، والأمْرُ الآتي: واحدُ الأمور؛ كالرِّيحِ، والصِّرِّ والسَّمُومِ، ونحوِ ذلك، وتقسيمُهُ { لَيْلاً أَوْ نَهَارًا } ، تنبيهٌ على الخَوْف وٱرتفاع الأمْنِ في كلِّ وقت، و { حَصِيداً } ، بمعنى محصوداً، أي: تالفاً مستهلكاً، { كَأَن لَّمْ تَغْنَ }: أي: لم تنضر، ولم تنعم، ولم تعمر بغَضَارتها، ومعنى الآية: التحذير من ٱلاغترار بالدنيا؛ إِذ هي معرَّضة للتلف؛ كنبات هذه الأرض وخَصَّ المتفكِّرين بالذكْر؛ تشريفاً للمنزلة؛ وليقَعَ التسابُقُ إِلى هذه الرتبة. { وَٱللَّهُ يَدْعُواْ إِلَى دَارِ ٱلسَّلَـٰمِ... } الآية: نصٌّ أن الدعاء إِلى الشرْع عامٌّ في كل بَشَرٍ، والهداية التي هي الإِرشادُ مختصَّةٌ بمَنْ قدِّر إِيمانه، و { ٱلسَّلَـٰمِ }؛ هنا: قيل: هو ٱسمٌ من أسماء اللَّه تعالى، والمعنَى: يدعو إِلى داره التي هي الجنَّة، وقيل: { ٱلسَّلَـٰمِ } بمعنى السَّلامة.