الرئيسية - التفاسير


* تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } * { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } * { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ } * { سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ }

القراءات { شهر تنزل } بتشديد التاء: البزي وابن فليح { مطلع } بكسر اللام: علي وخلف.

الوقوف { في ليلة القدر } ه ج للنفي والاستفهام والوصل أولى لاتصال المبالغة في التعظيم به { ما ليلة القدر } ه ط لأن ما بعدها مبتدأ { شهر } ه ط لأن ما بعده مستأنف { ربهم } ج لاحتمال تعلق { من كل } بقوله { تنزل } ولاحتمال تعلقه بقوله { سلام } أي هي من كل عقوبة سلام أو من كل واحد من الملائكة سلام من المؤمنين قاله ابن عباس: وعلى هذا يوقف على { أمر } ويوقف على { سلام } وقيل: لا يوقف على { سلام } أيضاً والتقدير: هي سلام من كل أمر حتى مطلع { الفجر } ه.

التفسير: الضمير في { أنا أنزلناه } للقرآن إما لأن القرآن كله في حكم سورة واحدة وإما لشهرته ومن نباهة شأنه كأنه مستغن عن التصريح بذكره، وقد عظم القرآن في الآية من وجوه أخر هي إسناد إنزاله إلى نفسه دون غيره كجبرائيل مثلاً، وصيغة الجمع الدالة على عظم رتبة المنزل، إذ هو واحد في نفسه نقلاً وعقلاً والرفع من مقدار الوقت الذي أنزل فيه وهو ليلة القدر. وههنا مسائل الأولى: كيف حكم بأنه أنزل في هذه الليلة مع أنه أنزل نجوماً في نيف وعشرين سنة؟ والجواب كما مر في البقرة في قولهشهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } [البقرة: 185] أي أنزل فيها من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملة ثم منها إلى الأرض نجوماً، ووجه حسن المجاز أنه إذا أنزل إلى السماء الدنيا فقد شارف النزول إلى الأرض فيكون من فوائد التشويق كما قيل:
وأبرح ما يكون الشوق يوماً     إذا دنت الخيام من الخيام
وقال الشعبي: ابتدىء بإنزاله في هذه الليلة لأن المبعث كان في رمضان. وقيل: أراد إنا أنزلنا القرآن يعني هذه السورة في فضل ليلة القدر والقدر بمعنى التقدير. قال عطاء عن ابن عباس: إن الله تعالى قدر كل ما يكون في تلك السنة من مطر ورزق وإحياء وإماتة إلى مثل هذه الليلة من السنة الآتية نظيره قولهفيما يفرق كل أمر حكيم } [الدخان: 4] في أحد الوجوه والمراد إظهار تلك المقادير للملائكة في تلك الليلة فإن المقادير من الأزل إلى الأبد ثابتة في اللوح المحفوظ، وهذا قول أكثر العلماء. ونقل عن الزهري أنه قال: ليلة القدر يعني ليلة الشرف والعظمة من قولهم " لفلان قدر عند فلان " أي منزلة وخطر، ويؤيد هذا التأويل قوله { ليلة القدر خير من ألف شهر } ثم هذا الشرف ما أن يرجع إلى الفاعل أي من أتى فيها بالطاعة صار ذا قدر وشرف. وإما أن يرجع إلى الفعل لأن الطاعة فيها أكثر ثواباً وقبولاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6