الرئيسية - التفاسير


* تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

القراءات: " خلقكم " مدغماً: أبو عمرو وكذلك كل ما كان قبلها متحرك. وازاد عباس كل ما كان قبلها ساكن مثل { ما خلقكم } { وصديقكم } و { بورقكم } و { ميثاقكم } وأشباه ذلك. قال ابن مجاهد: يدغمها بإظهار صوت القاف. وقال غيره - وهو ابن مهران - لا يظهر ذلك وكل صواب.

الوقوف: " تتقون " (ه) لأن " الذي " صفة الرب تعالى. " بناء " (ص) لعطف الجملتين المتفقتين " لكم " (ج) لانقطاع النظم مع فاء التعيب. " تعلمون " (ه).

التفسير: لما قدم الله تعالى أحكام فرق المكلفين من المؤمنين والكفار والمنافقين وذكر صفاتهم ومجاري أمورهم عاجلاً وآجلاً، أقبل عليهم بالخطاب وهو من جملة الالتفات الذي يورث الكلام رونقاً وبهاء ويزيد السامع هزة ونشاطاً. ومن لطائف المقام أنه تعالى كأنه يقول: جعلت الرسول واسطة بيني وبينك أولاً، والآن أزيد في إكرامك وتقريبك فأخاطبك من غير واسطة، ليحصل لك مع التنبيه على الأدلة شرف المخاطبة والمكالمة. وفيه إشعار بأن العبد مهما اشتغل بالعبودية زاد قرباً وحضوراً. وأيضاً الآيات المتقدمة حكايات أحوالهم وهذه أمر وتكليف وفيه كلفة ومشقة، فلا بد من راحة وهي أن يرفع ملك الملوك الواسطة من البين ويخاطبهم بذاته، فيستطاب التكليف بالتكليم حينئذ ويستلذ هذا. وقد صح الإسناد عن علقمة أن كل شيء نزل فيه " يا أيها الناس " فهو مكي و " يا أيها الذين آمنوا " فهو مدني فقوله { يا أيها الناس اعبدوا ربكم } خطاب لمشركي مكة بحسب هذا النقل، وإن كان من الجائز أن يخاطب المؤمنون باسم جنسهم ويؤمروا بالاستمرار على العبادة والازدياد منها. " ويا " حرف وضع لأجل التخفيف مقام أنادي الإنشائية لا الإخبارية. وههنا نكتة وهي أن أقوى المراتب الاسم، وأضعفها الحرف، فظن قوم أنه لا يأتلف الاسم بالحرف، فكذا أقوى الموجودات هو الحق سبحانه وأضعفها البشروخلق الإنسان ضعيفاً } [النساء: 28] فقالت الملائكة: ما للتراب ورب الأربابأتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } [البقرة: 30] فقيل لهم: قد يأتلف الاسم مع الحرف في حال النداء، فكذا البشر يصلح لحضرة الرب حال التضرع والدعاءادعوني أستجب لكم } [غافر: 60]وإذا سألك عبادي عني فإني قريب } [البقرة: 186]فاذكروني أذكركم } [البقرة: 152] و " يا " وضع في أصله لنداء ما ليس بقريب حقيقة أو تقديراً لكونه ساهياً أو غافلاً أو نائماً، أو لتبعيد المنادي نفسه عن ساحة عزة المنادى هضماً واستقصاراً كقول الداعي في جؤاره: يا رب يا الله. مع أنه أقرب إليه من حبل الوريد، ليتحقق الإجابة بمقتضى قوله " أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي " وقد ينادي القريب.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد