الرئيسية - التفاسير


* تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

الوقوف: { في القتلى } ط { بالأنثى } ط لأن العفو إعطاء الدية صلحاً فكان خارجاً عن أصل موجب القتل مستأنفاً { بإحسان } ط { رحمة } ط لأن الاعتداء خارج عن أصل الموجب وفرعه فكان مستأنفاً { أليم } ه { تتقون } ه.

التفسير: هذا حكم آخر، وسببه أن اليهود كانوا يوجبون القتل فقط، والنصارى يوجبون العفو فقط. فأما العرب فتارة كانوا يوجبون القتل وأخرى يوجبون الدية، لكنهم كانوا يظهرون التعدي في كل واحد من الحكمين. فإذا وقع القتل بين قبيلتين كان يقول الشريف للخسيس لنقتلن بالعبد منا الحر منهم، وبالمرأة منا الرجل منهم، وبالرجل منا الرجلين منهم، وكانوا يجعلون جراحاتهم ضعف جراحات خصومهم، وربما زادوا على ذلك على ما يروى أن رجلاً قتل رجلاً من الأشراف ثم اجتمع أقارب القاتل عند والد المقتول فقالوا: ماذا تريد؟ قال: إحدى ثلاث. قالوا: وما هي؟ قال: تحيون ولدي، أو تملؤن داري من نجوم السماء، أو تدفعون إليّ جملة قومكم حتى أقتلهم، ثم لا أرى أني أخذت عوضاً. وكانوا يجعلون دية الشريف أضعاف دية الخسيس فبعث الله محمداً بالعدل وسوّى بين عباده في القصاص. وقيل: نزلت في واقعة قتل حمزة. ومعنى كتب فرض وأوجب كقولهكتب عليكم الصيام } [البقرة: 183] ولفظة " على " أيضاً تفيد الوجوب كقوله { ولله على الناس حج البيت } والقصاص أن تفعل بالإنسان مثل ما فعل من قولك " اقتص فلان أثر فلان " إذا فعل مثل فعله. ومنه القصة لأن الحكاية تساوي المحكي والمقص لتعادل جانبيه. وقوله { في القتلى } أي بسبب قتل القتلى كقوله " في النفس المؤمنة مائة إبل " أي بسببها. فظاهر الآية يدل على وجوب القصاص على جميع المؤمنين بسبب جميع القتلى إلا أنهم أجمعوا على أن غير القاتل خارج عن هذا العموم. وأما القاتل فقد دخله التخصيص أيضاً في صور كما إذا قتل الوالد ولده، والسيد عبده، والمسلم حربياً أو معاهداً، أو مسلم مسلماً خطأ إلا أن العام الذي دخله التخصيص يبقى حجة فيما عداه. فإن قيل: لو جب القصاص لوجب إما على القاتل وليس عليه أن يقتل نفسه بل يحرم عليه ذلك، وإما على ولي الدم وهو مخير بين الفعل والترك، بل هو مندوب إلى الترك.والعافين عن الناس } [الأعراف: 134] وإما على أجنبي وليس ذلك بالاتفاق. وأيضاً القصاص عبارة عن التسوية، ووجوب رعاية المساواة على تقدير القتل لا يوجب نفس القتل. قلنا عن الأول إن المراد إيجاب إقامة القصاص على الإمام أو من يجري مجرى الإمام، لأنه متى حصلت شرائط وجوب القود فإنه لا يحل للإمام أن يترك القود وهو من جملة المؤمنين فالتقدير: يا أيها الأئمة كتب عليكم استيفاء القصاص إن أرادوا لي الدم أستيفاء.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7