الرئيسية - التفاسير


* تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ }

القراءات: { ليس البر } بنصب الراء: حمزة وحفص الخراز عنه مخير. الباقون: بالرفع { ولكن } خفيفاً { البر } رفعاً وكذلك فيما بعد: نافع وابن عامر. الباقون: بالتشديد والنصب.

الوقوف: { والنبيَّن } ج لطول الكلام واختلاف المعنى لأن ما قبله أصول الإيمان وما بعده فروع: { وفي الرقاب } ج للطول مع انتهاء شرع المكارم وابتداء اللوازم { الزكاة } ج { عاهدوا } ج للعدول عن النسق إلى المدح والتقدير: هم الموفون أعني الصابرين { اليأس } ط { صدقوا } ط { المتقون } ه.

التفسير: هذا حكم آخر من أحكام الإسلام. عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن البر فأنزل الله تعالى هذه الآية. قال: وقد كان الرجل قبل الفرائض إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ثم مات على ذلك وجبت له الجنة. وقيل: كثر خوض المسلمين وأهل الكتاب في أمر القبلة فقيل: ليس البر العظيم الذي يجب أن تذهلوا لشأنه عن سائر صنوف البر أمر القبلة، ولكن البر الذي يجب صرف الهمة إليه بر من آمن وقام بهذه الأعمال، وعلى هذا فالخطاب عام. وقيل: الخطاب لأهل الكتاب لأن المشرق قبلة النصارى، والمغرب قبلة اليهود، وأنهم أكثروا الخوض في أمر القبلة حين حولت إلى الكعبة. وزعم كل من الفريقين أن البر هو التوجه إلى قبلته، فرد عليهم بأن ما أنتم عليه خارج من البر. أما أولاً فلأنه منسوخ، وأما ثانياً فلأنه على تقدير صحته شرط من شرائط أعمال البر لأن من جملتها الصلاة واستقبال القبلة شرط فيها، ولن يكون شرط جزء الشيء تمام حقيقة ذلك الشيء، وذلك أن البر اسم جامع للطاعات وأعمال الخير المقربة إلى الله ومنه بر الوالدين وهو استرضاؤهما بكل ما أمكن. والتركيب يدل على الاتساع ومنه البر خلاف البحر. قيل: إن قراءة رفع البر أولى ليكون الاسم مقدماً على الخبر على الأصل. وقيل: بالنصب أولى لأن " أن " مع صلتها تشبه المضمر في أنها لا توصف، والمضمر أدخل في الاختصاص من المظهر فهو أولى بأن يكون اسماً { ولكن البر من آمن } على تقدير حذف المضاف أي بر من آمن. وقيل: التقدير هكذا ولكن ذا البر من آمن. وقيل: البر بمعنى البار مثل رجل صوم أي صائم. وعن المبرد: لو كنت ممن يقرأ القرآن لقرأت { ولكن البر } بفتح الباء. قال في التفسير الكبير: إنه تعالى اعتبر في تحقيق ماهية البر أموراً:

الأول: الإيمان بأمور خمسة: أولها الإيمان بالله، ولن يحصل العلم بالله إلا عند العلم بذاته المخصوصة والعلم بما يجب ويجوز ويستحيل عليه، ولن يحصل العلم بهذه الأمور إلا عند العلم بالدلائل الدالة عليها فيدخل فيها العلم بحدوث العالم.

السابقالتالي
2 3 4 5