الرئيسية - التفاسير


* تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْعَصْرِ } * { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ }

الوقوف { والعصر } ه لا { لفي خسر } ه لا { بالصبر } ه.

التفسير: لما بين في السورة المتقدمة أن الاشتغال بأمور الدنيا والتهالك عليها مذموم، أراد أن يبين في هذه السورة ما يجب الاشتغال به من الإيمان والأعمال الصالحات وهو حظ الآدمي من جهة الكمال ومن التواصي بالخيرات وكف النفس عن المناهي، وهو حظه من حيث الإكمال وأكد ما أراد بقوله { والعصر } وللمفسرين فيه أقوال: الأول أنه الدهر لوجوه منها ما جاء في القراءة الشاذة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ " والعصر ونوائب الدهر " وحمله العلماء إن صح على التفسير لا على أنه من القرآن لهذا لا يجوز قراءته في الصلاة. ومنها أن الدهر يشتمل على الأعاجيب الدالة على كمال قدرة خالقها من تغاير الملل والدول وسائر الأحوال الكلية والجزئية، بل نفس الدهر من أعجب الأشياء لأنه موجود يشبه المعدوم ومتحرك يضاهي الساكن.
وأرى الزمان سفينة تجري بنا     نحو المنون ولا ترى حركاته
ومنها أن عمر الإنسان كبعض منه قال:
إذا ما مر يوم مر بعضي     ولا شيء أنفس من العمر
وفي تخصيص القسم به إشارة إلى أن الإنسان يضيق المكاره والنوائب إليه ويحيل شقاءه وخسرانه عليه فإقسام الله تعالى به دليل على شرفه وأن الشقاء والخسران إنما لزم الإنسان لعيب فيه لا في الدهر ولذلك قال صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " القول الثاني وهو قول مقاتل وأبي مسلم إن العصر هو آخر النهار أقسم الله به كما أقسم الفجر والضحى لأن آخر النهار يشبه تخريب العالم وإماتة الأحياء كام أن أول النهار يشبه بعث الأموات وعمارة العالم، فعند ذلك إقامة الأسواق ونصب الموازين ووضع المعاملات، وفيه إشارة إلى أن عمر الدنيا ما بقي إلا بقدر ما بين العصر إلى المغرب فعلى الإنسان أن يشتغل بتجارة لا خسران فيها فإن الوقت قد ضاق وقد لا يمكن تدارك ما فات. وقال قتادة: إنه صلاة العصر لشرفها وفضلها ولهذا فسر بها الصلاة الوسطى عند كثير وقد مر في " البقرة " وقيل: أقسم بعصر النبي صلى الله عليه وسلم أو بزمانه الذي هو عصر نهار الدنيا كا جاء في حديث طويل، وقد أقسم بمكانه في قولهلا أقسم بهذا البلد } [البلد: 1] وبحياته في قولهلعمرك } [الحجر: 72] وكل ذلك تشريف له وتوبيخ لمن لم يوقره حق أما اللام في الإنسان فإما المعهود معين كما روي عن ابن عباس أنه أراد جماعة من المشركين كالوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب. وعن مقاتل أنه أبو لهب. وفي خبر مرفوع أنه أبو جهل كانوا يقولون: إن محمداً لفي خسار فأقسم الله تعالى إن الأمر بالضد مما توهموه، وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعاً.

السابقالتالي
2