قوله تعالى: { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَانُ عَنْهَا... } أي فسكنا، وأكلا حيث شَاءَا، فأَزَلَّهُمَا، فسَّرُوهُ بأمرين إما (أوقعهما) في الزلَّة والإثم فالضمير في " عنها " للجنة، أو للشجرة فهو معنوي، وإما حسي من الزوال فالضمير في " عنها " للجنّة. وقرأ حمزة، فَأَزَلَّهُمَا وهو نص في الزوال الحسي فتكون (مرجّحة) (لإرادته) في القراءة الأولى. قال ابن عطية: لما دخل إبليس لآدم سأله عن حاله فقال (له): ما أحسن هذا لو أن خلدا (كان) فوجد به السبيل إلى إغوائه. قال ابن عرفة: هذا إلهام (للنطق) بما وقع في الوجود حيث قال ابليس{ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ } كما قال يعقوب عليه السلام لبنيه{ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } فقالوا له:{ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ } (وكما قال الشاعر:
احفظ لسانك أن تقول فتبتلى)
إنّ البلاء موكل بالمنطق
وأكله من الشجرة إما لظنه أنّ النهي للكراهة أو المنهي عنها شجرة واحدة بالشخص وهذه من نوعها فقط. زاد ابن عطية: إن حواء سقته الخمر فأكل في حال السكر. قيل لابن عرفة: خمر الجنة لا يسكر فقال: إن تلك الجنة (التي) من دخلها (يؤمّن) من الخروج (منها) ولعلّ هذه إذ ذاك (كان) خمرها مسكرا. قلت: أو كان الخمر من غيرها وأدخل (فسقي منها) قال: ومذهب مالك أنّ جميع ما يصدر عن السّكران من طلاق وقذف وقتل وزنا وسرقة كلّه يلزمه ويؤاخذ به وهي (أول) مسألة في العتبية من النكاح الأول. قيل له: إنما هذا اللزوم بعد تحريم الخمر وقد كانت حينئذ حلالا فيعذر شاربها؟ فقال: حفظ العقول من الكليات الخمس التي اتفقت جميع الملل عليها فالسّكر حرام وإنما يجوز فيها ما لا يسكر. قوله تعالى: { وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ... }. الأنسب أن يكون الخطاب بواسطة وهو الأغلب فيمن يواقع الأمر المرجوح. قوله تعالى: { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ... } ابن عطية: هو في موضع الحال فألزمه أبو حيان أن تكون العداوة مأمورا بها لأن الحال داخلة في الأمر. وأجاب ابن عرفة: بأن ذلك حيث يكون الحال غير (واقعة) حين الخطاب بالأمر (إلا) إذا كانت واقعة فالأمر بها تحصيل الحاصل كقولك: وزيد (ضاحك). أكرم زيدا ضَاحِكا. والعداوة حينئذ بين آدم وإبليس موجودة. أو تقول: إنها مأمور بها ولا يلزم عليه شيء لكن هذا إن كان إبليس داخلا في الأمر. قال ابن عطية: المخاطب بالهبوط آدم وحواء وإبليس والحية؟ وقال الحسن: آدم وحواء والوسوسة. قال: (ابن عرفة: أي عدو الوسوسة). وقال غيره: والحية. لأن إبليس قد كان اهبط. قال: وإذا قلنا: (إنّ) الأمر لآدم وحواء وإبليس، فيكون في الآية دليل على جواز إطلاق (لفظ البعض) على أكثر من النصف.