الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ) مصنف و مدقق


{ ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ }

قوله تعالى: { آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ... }.

ذكر ابن عطية سبب نزول الآية أنها لما نزلتوَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ } .. الآية شق ذلك على المؤمنين ثم قالوا { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا }. فَمَدحهم الله وأثنى عليهم ورفع عنهم المشقة بقوله تعالى:لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } قال ابن عرفة: وضم الإخبار عنهم بالإيمان في هذه الآية إلى هذا السبب يقتضي استلزام الإيمان للعمل الصالح، قال: وفيها سؤال وهو أن الفاعل مخبر عنه بفعله وتقرر أنه لا يجوز (قام) القائم، ولا ضرب الضارب، إذ لا فائدة فيه، فلو قيل: " آمن الرسول والصحابة لأفاد، فكيف قال (آمَنَ) المؤمنون؟

والجواب: أنّه يفيد إذا (قيد بشيء) كقولك قام: في الدّار القائم، وهنا أفاد تقيده وهو قوله { بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ }. انتهى.

فإن قلت: لم ذكر الرسول ومعلوم أنه آمن؟

قلت: إنه ذكر مع المؤمنين تشريفا لهم وتعظيما إذ لا ينظم الجوهر النفيس إلا (مع) نفيس مثله.

قال ابن عرفة: قال ابن عطية: و " كل " لفظة تصلح للإحاطة والقرينة تبين ذلك. انتهى.

قال ابن عرفة: وظاهر أنّها ليست نصّا في العموم خلافا للأصوليين فإنهم ذكروها في ألفاظ العموم وتقدم للنحويين التفريق بين رفعها ونصبها في قوله:
قد أصبحت أم الخيار تدعي     عليّ ذنبا كله لم أصنع
فقالوا: رفعها أعم.

قلت: إنما أراد ابن عطية قولهم: كل الصيد في جوف الفراء. ورأيت رجلا كل (الرجل) وقولهم: أكلت شاة كل شاة.

قوله تعالى: { وَمَلاۤئِكَتِهِ... }.

قال ابن عرفة: لا بد في الإيمان بالملائكة من استحضار أنّهم أجسام متحيزة (منتقلة) كبني آدم.

ولذلك قال أبو عمران الفارسي في المسألة المنقولة عنه في الكفار: إنّهم ما عرفوا (الله) قط ولا آمنوا به خلافا للغزالي من أهل السنة (فإنه) قال في الملائكة إنهم أجسام لطيفة لا متحيزة ولا قائمة بالمتحيز ونحا في هذا منحى الفلاسفة.

قيل لابن عرفة: إنّ (المقترح) توقف فيهم؟

فقال: إنما توقف في إثبات الجوهر (الفرد) وهو شيء لا متحيز ولا قائم بالمتحيز ولم يتوقف في الملائكة.

قوله تعالى: { وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ... }.

قال الزمخشري: قرأ ابن عباس: " وَكِتَابِهِ " يريد القرآن وعنه الكتاب أكثر من الكتب. فإن قلت: كيف يكون الكتاب أكثر من الكتب؟

قلت: لأنه إذا أريد بالواحد الجنس والجنسية قائمة في وحدان (الجنس) كلها لم يخرج منها شيء، وأما الجمع فلا يدخل تحته (إلاّ ما فيه الجنسية من المجموع. وقدره الطيبي بأن المفرد إذا أريد به الجنس يدخل تحته) المجموع والأشخاص بخلاف الجمع فإنه لا يتناول إلا المفردات فقط.

قيل لابن عرفة: قد اختلفوا في المفرد المحلى بالألف واللاّم (هل يفيد العموم، واتفقوا على أنّ الجمع يفيد العموم لا سيما المحلى بالألف واللاّم)؟

فقال: (ما كلامنا) إلا فيما ثبت فيه العموم من مفرد أو جمع، فالمفرد الذي يثبت فيه العموم (أعم من الجمع الذي يثبت فيه العموم).

السابقالتالي
2