الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ) مصنف و مدقق


{ للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قوله تعالى: { لِّلَّهِ ما فِي ٱلسَّمَاواتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ... }.

احتجوا بها على أنّ أعمال العباد مخلوقة لله لأنّها (مما) في السماوات وما في الأرض. واحتجّوا بها على أن السّماء بسيطة إذ لو كانت كروية لكانت الأرض (مما) فيها ولم يكن لقوله: { وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } فَائِدَة؟

وأجيب: بأن ذكرها بالمطابقة أولى من ذكرها بالتضمّن والالتزام، لأنها مشاهدة مرئية، ومذهب (المتقدمين أنها بسيطة ومذهب) المتأخرين أنها كروية.

قال الغزالي في النّهاية ولا ينبني على ذلك الكفر ولا إيمان.

قوله تعالى: { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ... }.

من إقامة المسبب مقام سببه لأن المحاسبة (عليه) متسبّبة عن العلم به أي يعلمه الله فيحاسبكم عليه، وما في النّفس إن كان وسوسة وترددا من غير جزم فلا خلاف في عدم المؤاخذة به (وإن كان على سبيل الجزم والمواطأة عليه فإما أن يكون له أثر في الخارج أو لا. فإن كان قاصرا على نفس الإنسان ولا أثر له في الخارج كالإيمان والكفر خلاف في المؤاخذة، وإن كان له أثر في الخارج فإن تمّ بإثره فلا خلاف في المؤاخذة)، كمن يعزم على السرقة ويسرق أو على القتل ويقتل، وإن عزم عليه في نفسه ورجع عن فعله في الخارج فإن كان اختيارا لغير مانع فلا خلاف في عدم المؤاخذة به، بل ذكروا أنه يؤجر على ذلك كما في بعض طرق الحديث (إن) تركها (مأجور)، وإن رجع عنه لمانع منه ففي المؤاخذة به قولان.

هذا محصول ما ذكره القاضي أبو الفضل عياض في الإكمال: " إذا هم العبد بسيئة فلم يعملها " الحديث ذكره مسلم في كتاب الإيمان.

قال ابن عرفة: والكفر خارج من هذا لقول الله تعالى:إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ } وحكى ابن عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة أنها لما نزلت قال الصحابة: " هلكنا إن حوسبنا بخواطرنا ". فأنزل اللهلاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } فمنهم من جعلها ناسخة.

وضعفه ابن عطية لأنه خبر فلا ينسخ. قال لكن ورد أنهم " لما قالوا: هلكنا، قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم قولوا: " سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا " فقالُوا فنزلت { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً } فصح النسخ وتشبه الآية حيئنذ قول الله تعالى في الأنفال:إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ } ثم نسخت بصبر المائة للمائتين.

قال ابن عرفة: آية الأنفال ليس فيها إلا النسخ لأنّه رفع كلّ الحكم (وآيَتُنَا) هذه تحتمل النسخ والتخصيص كما قال بعضهم.

قال ابن عرفة: ونظير الآية ما خرج مسلم في كتاب الإيمان عن علقمة عن عبد الله قال: لما نزلت

السابقالتالي
2