الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ) مصنف و مدقق


{ لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

قوله تعالى: { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحْصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ... }.

قال الزمخشري: أي اعمدوا للفقراء أو جعلوا ما تنفقون للفقراء. ويجوز أن يكون خبر متبدإ (محذوف) أي صدقاتكم للفقراء.

قال ابن عرفة: المقدرات باعتبار المعنى متفقة وباعتبار كيفية الدليل مختلفة " وَسَبِيلِ اللهِ " قال مالك في كتاب الحبس: هو وجوه الخير. بالإطلاق كيف ما كانت.

وقال ابن عبد البر: المشهور عن مالك أنه الجهاد.

قوله تعالى: { أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ... }.

ولم يقل: من تعفّفهم إشارة إلى اتصافهم بأبلغ وجوه التعفف لأن تعفف المحتاج (المضطر) إلى المسألة ليس كتعفف من لم تبلغ به الحاجة إلى السؤال فأفاد أن هؤلاء لم يتّصفوا بتعفّفهم اللائق بهم بل اتصفوا بالتعفف الإجمالي.

قوله تعالى: { تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ }.

الخطاب له ولغيره.

قوله تعالى: { لاَ يَسْئَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً... }.

ونقل هنا ابن عرفة كلام المفسرين ثم قال: ويحتمل أن يكون مثلوَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } أي لو قدر صدور السؤال منهم لما قدر وقوعه إلا بالإلحاف لأجل ما نالهم من الجهد والحاجة، ويحتمل أن يكون مثل قول الله تعالىلاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } فيكون من باب (نفي) استلزام الأخص أمرا وإذا لم يستلزم الأخص أمرا لم يستلزمه الأعم. والمعنى: لا يسألون الناس لأجل الإلحاف (في السؤال) أي لأجل سبب الإلحاف وهو شدة الحاجة وإذا لم يسألوهم لأجل شدة الحاجة فأحرى أن لا يسألوهم لأجل سبب عدم الإلحاف وهو مطلق الحاجة فقط.

قال الفخر بن الخطيب يحتمل أن يراد بالإلحاف (تأكيد) صبرهم.

قال ابن عرفة: ينبغي أن يوقف على قوله: { لاَ يَسْئَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً } مصدر، أي يلحفون إلحافا، أي يبلغون في شدة صبرهم وتجلدهم على الفقر. انتهى.

قوله تعالى: { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }.

قال ابن عرفة: قالوا: إن العبد يفرق بين حالة طاعته لسيده وهو حاضر ينظر إليه وبين حالة طاعته له في غيبته فمع الحضور يجتهد أكثر.

قيل لابن عرفة: إذا بنينا على مذهب أهل السنّة في التفريق بين (عليم وبصير) فيرد السؤال على ما قلت، فيقال: هلا قيل: فَإنّ اللهَ بِه بصير فهو أخص من (عليم) خلافا للمعتزلة؟ فقال: الآية خطاب للعوام لا للخواص وصفة العلم عندهم (أجلى) اذ لا خلاف فيها، بخلاف بصير فإنّ منهم من ردّه لعليم ومنهم من أبقاه على ظاهره.