الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

قوله تعالى: { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ... }.

نقل ابن عرفة عن ابن عطية الخلاف في سبب نزولها ثم قال: الظاهر عندي (أنّها) على ظاهرها ويكون خبرا في اللفظ والمعنى. والمراد أنه ليس في الاعتقاد إكراه وهو أولى من قول من جعلها خبرا في معنى النّهي. وكان أبو عمر ولد الأمير أبي الحسن على المريني في (أيام) مملكته جمع كل من كان في بلده من النّصارى وأهل الذمة وقال لهم: إما أن تسلموا أو ضربت أعناقكم، فأنكر عليه ذلك فقهاء بلده ومنعوه وكان في عقله اختبال.

قيل لابن عرفة: من فسّر الدين بالإسلام لا يتمّ إلا على مذهب المعتزلة القائلين بأن الاعتقاد غير كاف.

فقال: قد قال الله تعالى:إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } وفسره في الحديث " بأنّ تشهد أن لاَ إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ".

قوله تعالى: { قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ... }.

(قد) للتوقع لأن المشركين كانوا يتوقعون بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعارضوها بقوله تعالى:لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ } فجعل الخبيث مخرجا من الطيب، وعكس هنا. وأجيب: بأن هذا في أول الإسلام كان الكفر أكثر وتلك في آخر الإسلام كان الإيمان أكثر ودخل الناس في الدين أفواجا.

قوله تعالى: { فَمَن يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ... }.

قدم الكفر إما لأنّه من دفع المؤلم، أو لأنه مانع ولا يتم الدليل على الشيء إلاّ مع نفي المانع المعارض ولذلك قال في الإرشاد: " النظر في الشيء يضاد العلم بالمنظور ويضاد الجهل به والشك فيه ". فإذا كان الكافر مصمما على كفره استحال إيمانه وإذا ظهر له بطلان الكفر وبقي قابلا للإيمان ونظر في دلائله أنتجت له الإيمان.

قوله تعالى: { فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ... }.

قال الزمخشري: هذا تمثيل للمعلوم بالنّظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس (ونظرٌ في دلالات أنتجت له) حتى يتصوره السّامع كأنّه ينظر (إليه) بعينه.

ابن عطية: هذا تشبيه واختلفوا في المشبه بالعروة فقال مجاهد: العروة الإيمان وقال السدي: الإسلام. وقال سعيد بن جبير والضّحاك: (العروة) لا إله إلا الله.

قال ابن عرفة: إنما يريد المشبه خاصة ولو أراد المشبه به لكان تشبيه الشيء بنفسه.

قوله تعالى: { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }.

قال ابن عطية: لما كان الكفر بالطاغوت والإيمان بالله مما ينطق به اللسان ويعتقده القلب حسن في الصفات سميع من أجل النّطق وعليم من أجل المعتقد.

وقال الفخر: هذا دليل على أنّ اعتقاد القلب الايمان غير كاف ولا بد من النطق.

قال ابن عرفة: لايتم هذا إلاّ على مذهب المعتزلة الذين ينكرون الكلام النفسي ونحن نقول: كلام النفس مسموع ولذلك نتصوره في الكلام القديم الأزلي وهم ينكرونه.