الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }

قوله تعالى: { تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ... }.

قال (الزمخشري): الإشارة إلى جماعة الرسل التي ذكرت فقط في السّورة، أو التي (ثبت) علمها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن عرفة: بل الإشارة إلى ما قبله يليه وهي الرسل المفهومة من قولهوَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } قال ابن عرفة: فهذا التفضيل إما مطلقا / أي بعضهم أفضل من بعض (مطلقا)، أو من وجه دون وجه، فبعضهم أفضل من بعض في شيء والمفضول في ذلك أفضل من الفاضل في شيء آخر، فهل هو كالأعم مطلقا أو كالأعم من وجه دون وجه، والظاهر الأول. وما ورد في الحديث: " لا تفضلوني على موسى ولا ينبغي لأحد أن يقول: أنا أفضل من يونس بن متى " فلا يعارض هذا لأن الآية اقتضت تفضيل بعضهم على بعض من غير تعيين الفاضل من المفضول.

قيل له: معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق؟

(فقال): بأن ذلك يعتقده (الإنسان) ولا يقوله بمحضر الكفار لئلا يقعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم بتنقيص (فيتركه) سدّا للذريعة، أو يجاب بأنه تواضع من النبي صلى الله عليه وسلم، قاله الغزالي كقوله: " أنا سيد ولد آدم ولا فخر ".

وأجاب القاضي عياض في الإكمال عن معارضة حديث نوح

لحديث " لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى " وحديث " لا تفضلوا بين الأنبياء " مع حديث " أنا سيد ولد آدم ولا فخر ".

أحدها أن يكون قبل إعلام الله له أنه أفضل ولد آدم أو يكون على طريق الأدب والتواضع، أو المراد: لا تفضّلوا بينهم في النبوة وإنّما تفضيلهم بخصائص خص الله بها بعضهم كما قال { فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ } الآية.

قيل لابن عرفة: (إنّ) ابن عطية أخطأ في قوله هنا لأن يونس عليه السلام كان شابا وتشيخ تحت أعباء النبوة؟

فقال: لا شيء في مثل هذا.

قال ابن عرفة: وكون بعض الرسل أوتي ما لم يؤته النبي صلى الله عليه وسلم (لا ينافي كون النبي صلى الله عليه وسلم) أفضل الخلق لأن المفضول قد يختص بفضيلة هي ليست في الفاضل كما قالوا: إن (أفضل) الصحابة أبو بكر مع أن لبعضهم من الخصوصيات ما ليست في أبي بكر، وكذلك كون عيسى (اختص) بإحياء الموتى وموسى بالكلام لا ينافي كون النبي صلى الله عليه وسلم أفضل منهم، وكذلك قوله في سورة النجموَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } وتكليم الله للرسل ليس بمعجزة، وكذلك رفع الدرجات مشترك بينهم، فلذلك لم يسنده إلى معين (ولما كان إيتاء البينات والتأييد خاصا بروح القدس أسنده إلى عيسى.

السابقالتالي
2