الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }

قوله تعالى: { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ... }.

أضمر ابن عطية هنا الجواب فقال: التقدير، فاتفق بنو اسرائيل على أن طالوت ملك وأذعنوا وتهيّؤوا لغزوهم عدوهم فلما فصل طالوت بالجنود (تعنتوا).

قال ابن عرفة: ترك (إضماره) سبب الجواب وحقه إن كان يضمر شيئين: الجواب وسبب الجواب، ويقول: التقدير فلما أتاهم بآية ملكه وفصل بالجنود تعنتوا.

قال ابن عرفة: وعطفه بالفاء لأنه سبب ظاهر كما تقول: جاء الغيم فلما نزل المطر كان كذا، وتقول أيضا: قام زيد ولما نزل المطر قعد فهذا ليس بسبب.

قال ابن عرفة: وإنما قال: " بِالجُنُودِ " ولم يقل: بجنوده لما اقتضت الآية من أن أكثرهم تعنتوا عليه وخرجوا عن طاعته فليسوا بجنوده، وإنما قال: " مُبْتَلِيكُمْ " فعبر بالاسم دون الفعل تحقيقا لوقوع ذلك في نفس الأمر وثبوته في علم الله تعالى أزلا، وأنه لا بد منه.

وعلمه بذلك، إما بالوحي أو بإخبار من النبي.

قوله تعالى: { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي... }.

فسره الشيخ الزمشخري: بالكرع مع أنه ينفي فيه المفهوم لأن الشرب منه يكون كرعا ويكون بإناء تملأ منه أو باليد.

وقوله " فَلَيْسَ مِنِّي " فسره إن أراد نفيه حقيقة عنه فيكون مجازا لأنه معلوم أنه ليس منه، فعبر بنفيه عنه نفيه عن ملته، وإن أراد نفيه عن اتباعه أي فليس من اتباعي وجندي فيكون على إضمار مضاف فيتعارض المجاز والإضمار.

قوله تعالى: { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ }.

قال ابن عرفة: أكد الثّاني (بإن)، ولم يقل في الأول " فمن شرب منه فإنه ليس منّي "؟ قال: والجواب بأنه إنّما لم يؤكد الأول لأن سببه أكثر (في) الوقوع، وأكد الثاني لأن سببه أقل في الوقوع فأكده حضا على المبادرة إلى امتثال سببه والعمل بمقتضاه.

قال: واحتج به بعضهم على أنّ الماء طعام وهو قول ابن نافع نقله ابن يونس في كتاب السلم الثالث.

وكان القاضي أبو عبد الله بن عبد السلام يحكي لنا عن الفقيه القاضي أبي القاسم/ بن علي بن البراء أن رجلا سأله وهو راكب على بغلته عمن حلف بالله لا يتناول طعاما؟ فقال له: لا يأكل ولا يشرب الماء لأنه طعام واحتجّ بهذه الآية.

ورده ابن عرفة بوجهين:

الأول منهما: أن الآية اقتضت ذلك لغة، وأما الشرع فلا يسميه طعاما.

الثاني: أنه نفى في الأول الشرب وفي الثاني الطعمية، والطعمية أوائل الشرب، ولذلك ذكروا في الصيام أن الصّائم اذا استطعم الماء وبصقه فإنه لا يفسد صومه، فلما تعلق النفي بأوائل الشرب قال: " فَإِنَّهُ مِنِّي " ، فأكد نسبته إليه بـ (إنّ) أي من اتّصف بكمال البعد عنه فهو موصوف بكمال القرب مني وبقي الواسطة مسكوتا عنه وهو الذي شرب بالإناء على تفسير الزمخشري فإما أن ذنبه أقل من ذنب من كرع أو مُسَاوٍ.

السابقالتالي
2