الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ }

قوله تعالى: { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ... }

قال ابن عرفة: لما أمرهم بالعبادة على لسان نبيه المقارنة للبرهان الدال على صدقه (وهو القرآن) وعجزهم بأنّهم إن لم (يفعلوا) ذلك (فليأتوا) بسورة من مثله قال هنا: فإن عجزتم ولم تقدروا على معارضته فاعلموا أن الرسول صادق فيجب عليكم الإيمان به (ثم قال): { فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ } (فأقام) مقام السبب الذي هو منه في ثالث رتبة أي: فإن لم تفعلوا تبين لكم أن ذلك معجزة وإذا تبين أنه معجزة دل ذلك على صدقه فمهما أخبر به، (فيكون سببا في الإيمان به) وفي تصديقه والإيمان به سبب في اتّقاء النار.

قال الزّمخشري: فإن قلت: امتناع معارضتهم القرآن واجب هلا قيل: فإذا لم تفعلوا؟

وأجاب بوجهين: الأول أنه ساق ذلك على حسب نيتهم وقصدهم وأنهم كانوا يزعمون أنهم يقدرون على معارضته.

الثاني: أنّه تهكّم بهم كقول الفارس النحرير لمن دونه: " إن غلبتك في كذا ".

قال ابن عرفة: وأنكر الشيخ أبو علي عمر بن خليل السّكوني هذا الإطلاق (لئلا) يلزم عليه أن يسمي الله تعالى متهكما، وأسماؤه تعالى توقيفية.

وكان بعضهم يرد عليه بإجماع المسلمين على ورود المجاز في القرآن مع امتناع أن يقال فيه سبحانه وتعالى متجوز.

فقال ابن عرفة: والصحيح أن التهكّم يطلق على معنيين: تقول تارة هذه القصيدة التي هي (للمعري: هو فيها) متهكم وتارة تقول فهمنا منها التهكم، ولا يلزم منه أن يكون (المعري) هو فيها متهكم بل التهكم باعتبار ما فهمنا نحن وعلى الأول يكون هو متهكما، فإطلاق التهكم على البارء جلّ وعلا بالمعنى الأول باطلا قطعا، وبالثاني (حق).

قال ابن عرفة: ويظهر (لي) عن السؤال جواب ثالث، وهو أن هذا على سبيل التعظيم بالمخاطبات، وهو أن يظهر أحد الخصمين لآخر أنه مغلوب، أو شاك في الغلبة أو متوقع لها ولا (يريه) أنه محقق أنه الغالب له لئلا (يتحرز منه) أو يرجع عن مخاصمته بدليل قوله تعالى " وَلَن تَفْعَلُواْ ".

قال القرطبي: معناه فإنْ لَّمْ تَفْعَلُواْ في الماضي وَلَن تَفْعَلُواْ في المستقبل.

قال ابن عرفة: فإن قلت: لم تخلص الفعل للماضي (وإن) تخلصه للاستقبال وهما متباينان؟

فالجواب: أنّ " لم " خلصت الفعل ( " ولن " ) دخلت على الجملة فخلصتها.

قال بعض الناس: فإذا قلت: إن لم يقم زيد قام عمرو فلم يقم مستقبل باعتبار ما مضى. والمعنى أن يقدر في المستقبل أنه لم يقم (زيد) فيما مضى فقد قام عمرو. ونظيره ما أجابوا به في قوله تعالىإِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } لأن الشرط يخلص الفعل للاستقبال والمعنى يدل على أنه ماض.

السابقالتالي
2